إلى مرتزق مفترض
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
غير أني عرفت صوتك يتهدج بكاءً مراً، مثل ذلك اليوم الذي استبعدك فيه من منبر الكلمة الصباحية التي كان الأستاذ عبدالرؤوف نجم الدين، مدير "الشعب"، حريصاً على أن يحضرها كل طلاب "الشعب"، ولو اضطر إلى سوقهم بخيزرانتهم التي لا تنكسر.
لقد همس الأستاذ الشيخ (...) الملتحي لحية بيضاء، والذي أوقف سيارته أمام بقالة الهريش متحدياً إعلان "ممنوع الوقوف" بأنك ابن الملحد الشيوعي، مع أنك كنت قد بدأت بالبسملة والحمدلة وتكمل الصلاة على الحبيب المصطفى سلام الله عليه، لولا أن المرحوم المدير، مدير "الشعب"، جذب الميكروفون من فمك لينوه بمسؤولي القسم الداخلي أصحاب الروتي وحليب الأمم المتحدة محذراً بعض الطلاب الذين هربوا من اشتراكية عدن، يتراجمون بالروتي فلا يفسحون مكاناً لطباشير السبورة من كثرة المراجمة.
افتقدتك ترابيزة "الأنعم"، أفضل طباخ دقة في مدينة تعز مساء. جذب الشيخ المخبر ذو اللحية البيضاء صاحب الدايهاتسو الذي بمجرد أن اقترب من مبنى جهاز الأمن الوطني في حارة المستشفى الجمهوري فتح له الباب، وبينما غبت أسبوعاً عن المدرسة لتشتغل شاعراً لمقوت صبري والتقينا في مساء "الأنعم".
طفرت من عينيك سحابة دموع لأنهم رفضوا زيارة أمك وإخوانك الصغار لأبيك الملحد الماركسي الذي ما فتر من التهجد ليلة وما فتئ يوجهك لتقرأ في مكتبته التي أبرز عناوينها "إحياء علوم الدين" و"الفقه على مذهب الأئمة الأربعة" و"منهاج السالكين" و"فتاوى ابن تيمية" و"فتح القدير" و"بداية الهداية"، و"شرخ متن أبي شجاع"، و"تفسير الصابوني"... وبينما كانت والدتك تسمي أباك فقيهاً أطلق عليه الأمن الوطني الشيوعي الملحد، والدليل عليه -كما أفتى الشيخ الذي يلبس اللحية البيضاء- عناوين هذه الكتب التي منحها الجهاز للشيخ بعد أن أثبت بالدليل انحيازها للشيطان الرجيم.
نعم، أصبحت -كما أعلمتني- جواب العصر بين أرض النيل مصر، وبين اليمامة الرياض، وتحسنت حالتك في بداية الأمر وشكرت رفيق أبيك في زنزانة واحدة، ضمك في قائمة اللجنة الخاصة بعد ذلك السفر من عدن إلى الرياض، فلم البكاء يا أخانا في الله؟
إن 900 ريال سعودي لا تكافئ قطرات الفجيعة التي تتوالى من طائرات عراف اليمامة وصاحبته سجاح.
عد إلينا يا أخاه، فوالدك الذي تبحث عنه في المدائن هنا وليس في أي مكان آخر.

أترك تعليقاً

التعليقات