فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
ما لاحظته من سلوك المتحزبين أن غالبيتهم «تبرمج» نفسياً، فهو نتاج مؤثرين اثنين: الأول: المغالاة في الفكرة التي اعتنقها، فالفكرة عقدة لا تسمح بالمراجعة، لأن المراجعة مغامرة غير محسوبة، لأنها ستعصف بالفكرة التي أصبحت عقيدة وشريعة وبرنامج عمل لمستقبل مضمون إن اقترنت (هذه الفكرة/ العقيدة) بالجهاد، والاحتياط لها من الخصوم الذين يتربصون بها الدوائر!
المؤثر الثاني: الانسجام التام مع الفكرة/ العقيدة، واطراح أي تعاطف مع وجهات النظر الأخرى، وهو ما يصطلح عليه بالتدجين، فتنقبض الأسارير وتشتد الأعصاب...!
وأذكر في هذا السياق حادثة حصلت للإمام الشيخ محمد الغزالي، الذي جاء إلى السعودية مع رفاق متهمين من جماعة الإخوان المسلمين، إثر شنق صاحب «في ظلال القرآن» سيد قطب رحمه الله، وربما حدث تفاهم بين عبدالناصر وفيصل السعودية، فغادر القاهرة جماعة من قادة الجماعة إلى السعودية، ورأوا فيما يبدو ألا يكونوا عالة على السعوديين من ناحية، وأرادوا نشر دعوتهم الإخوانية التي فتحها الملك فيصل لهم كجامعة عبدالعزيز في جدة، وجامعة الملك سعود في الرياض، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، فعين الشيخ الغزالي أستاذاً في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ليحاضر وليشرف على بعض طلاب الدراسات العليا بالجامعة.
وذات مساء، قرع باب المنزل طالب يريد إطلاع أستاذه الغزالي على ما تم إنجازه. لم يسلم الطالب على المنزل وأهله إلا بعبارة قصيرة. وبَدَر الشيخ، الذي كان يسمع إحدى أغنيات أم كلثوم، بقوله: «طال عمرك يا شيخ، تغني؟!»، ومضى يتمتم برغاء غير مفهوم. وقرر الشيخ عدم الإشراف على الطالب. وكان للشيخ الغزالي موقف من الفقه الوهابي طيلة مكثه في السعودية، وسمى هذا الفقه الوهابي بـ»الفقه البدوي». وقد سجل هذا الموقف في كتابه القيم «الفقه بين أهل السنة وأهل الحديث».
أينما يممت وجهك شطر حزبي وجدته حانقاً مكشراً، يعتقد نفسه في مقام العصمة، وأن فكره المنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والمشكل أن لازمة لغوية تسود المجالس عندهم وعندنا، هي: «هم ونحن»، وهذه فلتة ينبغي التعامل معها قبل أن تؤسس للدمار قريباً!!

أترك تعليقاً

التعليقات