فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

يقتضي منهج البحث العلمي أن يكون الباحث غير منحاز، أو بتعبير آخر غير متحيز إلى فئة أو مظاهر لفئة على أخرى، وإنما يكون حيثما يكون الحق والصدق. ولست أعلم أين يكون هذا الباحث النادر حتى نخوله الكتابة التاريخية التي ينبغي أن يكون صاحبها محايداً لا يسجل غير الحقيقة! لقد تعرفت إلى أناس، أشكالاً وألواناً، عرفت هؤلاء الأشكال أو الألوان فتأكد لي واقعهم أنهم على استعداد ليبيعوا أمانتهم بثمن بخس. وطرفة أرويها عن قاض في تعز التي دمرها أبناؤها يرد مبلغاً من المال بحجة أن هذا المبلغ لا يساوي "غمسة" في جهنم! وقد أعجبتني هذه العبارة لتصويرها الفني الجميل. وفي هذه العبارة تنعكس "خفة ظل" هذا القاضي الفنان من ناحية ثم علمه أن أخذ الرشوة توجب غضب الله وتدخل صاحبها في النار الحامية. أشرت في تناولة سابقة إلى أن المؤرخ يعتمد المذكرات مصدراً من مصادر كتابته التاريخية، والسؤال: هل هذه المذكرات تعتمد الموضوعية والصدق؟ وهل أصحاب هذه المذكرات على درجة من الصدق والوضوح؟ نجد هذا الجواب لدى الأستاذ أحمد محمد نعمان الذبحاني، الذي أوصى بنيه من بعده بعدم نشر مذكراته إلا بعد موته ـ كما قيل. وقد أصبحت عبارة الضابط هادي عيسى الذي لم يراع قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" حينما كان التوجه استئصال كل أسرة حميد الدين ومن يشايعهم أو يناصرهم. وهذه العبارة هي: "باسمه قد جاء"، يعني أن هذا الذي وصل إليه يستحق الإعدام لأنه قد وصل!! لقد أمر الإمام أحمد حميد الدين أن يقتل القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي جاء دوره في حفلة إعدام في ميدان الشهداء، لولا أن القاضي السيد يحيى بن محمد الذاري وكان جاهزا في هذه الحفلة صرخ في وجه الإمام أحمد: "قتلت العلماء يا ابن حميد الدين!!"، ففزع جلالته من هذه الصيحة النبوية فأمر الوشاح بأن يغمد سيفه حتى إشعار آخر.
ومن وجهة نظري أن هذه المذكرات إنما كتبت تحت خط الفقر والمسبغة، كما لو كانت تذكيراً لمن بيدهم مقاليد الحكم، فنحن الذين فجرنا الثورات وليس أنتم!

أترك تعليقاً

التعليقات