فضول تعزي
 

محمد التعزي

ملايين بدون منهج

محمد التعزي / لا ميديا -
الأخ الفاضل وزير التربية والتعليم المحترم تحية وبعد:
ملايين طلابنا يعيشون مناهج قرون غابرة، وفي كل بلد من البلدان التي تحاول بل تجاهد أن تتقدم تغير -بين فترة وأخرى- مناهجها حذفاً وإضافة، والسؤال موجه لمعاليكم: متى سنجاهد لتغيير في المناهج؟
تعلمون أن علوم الدراسة تطبيقية: الكيمياء، الهندسة، الطب، الفيزياء، الرياضة ونظرية مجالها العلوم الإنسانية: فلسفة، ديانات، جغرافية، أدبية... الخ، وتعلمون أن منهجنا التعليمي قاصر في اللحاق بركاب التجديد في هذه المعرفة التطبيقية والنظرية على السواء وأن الطلاب مسكونون بمنهج المقرر المحذوف لأن هذا المنهج صادر -ويا لها من خسارة بالغة- عن "التلقين" ذي الأصول الجاهلية في غابر القرون، "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"، "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"، غباء جاهلي بليد!
لقد شهد كرسي وزارة التربية والتعليم عديد وزراء من أول الثورة حتى الحاضر، ويبدو أن الصراع الحزبي والانتصار للأنانية كان القاسم المشترك بين معظم أصحاب المعالي الوزراء الأمر الذي شكل عائقاً أو على الصحيح جملة من العوائق أمام ليس تجديد وإنما أمام تحديث المنهج، وظهر الصراع الحزبي بين أصحاب هذا الكرسي أوائل حكم المجلس الجمهوري بقيادة القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي كان يضيق بكثير من وجهات النظر "الإخوانية" مؤيداً بعدد من الذين يذهبون مذهب العداء للإخوان كالناصريين والاشتراكيين بفصائلهم المختلفة والبعثيين بفصائلهم العراقي والسوري باعتبار "الإخوان" ربائب الرجعية السعودية وأبناء "النقطة الرابعة الأمريكية" وكان الإخوان المسلمون قد تربصوا بكراسي التربية والتعليم وركزوا على الإعلام بما في ذلك إعلام المنابر واستمدوا أوامر من القاضي الإرياني بتخصيص برنامج يومي في  إذاعة صنعاء يلقيه قائد إخواني اسمه الأستاذ عبدالله مارش، ونشط الاستقطاب بين الشباب وظهرت آثاره السلبية بين الناصريين الذين حاولوا أن يبدلوا شعار الصرخة الإخوانية "العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" بشعار قومي "عاشت القومية العربية أمة عربية واحدة".
دفعت الأقدار بالمقدم إبراهيم محمد الحمدي أن يرأس حركة 13 يونيو التصحيحية عام 71، بعد فراغ جمهوري عاشه الشعب نتيجة نفوذ القبيلة بقيادة "الموتور" شيخ حاشد، الذي سجل لقبه في اللجنة الخاصة باسم "شيخ مشايخ اليمن".
هامش: أرادت المملكة السعودية بواسطة الأمير سلطان بن عبدالعزيز، صاحب الملف اليمني ومحتل "الوديعة" اليمنية في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 69، إذ كانت الوديعة ضمن الحدود الشطرية لليمن الديمقراطية، إذ وجه الأمير سلطان قواته المسلحة، بما في ذلك الطيران، لضرب الجيش اليمني الجنوبي دون هوادة، وإذ أبدى اليمنيون استبسالاً ضد الجيش السعودي المزود بالمقاتلين الأجانب، فإن الاحتلال كان الغالب. ولأن اليمنيون يعرفون أو ينبغي أن يعرفوا أن أي وزير يمني لا يعين إلا بموافقة جارة السوء، خاصة في التربية والتعليم والداخلية والدفاع، إلا أن الحمدي خالف هذه السنّة، كما حاول سلفه الإرياني، ولكنه لقي ما لقيه القاضي من هجمات منبرية مسجدية، خاصة بعد أن عزم على أن يوحد التعليم، وحاضر في مجالسه الخاصة بضرورة إلغاء المعاهد العلمية، فاتهمه المسجديون كعادتهم بالكفر كسلفه البعثي القاضي الإرياني، وهؤلاء الوزراء مضوا ينهجون منهج التقليد والتلقين لمواقف سياسة السعودية في تجهيل الجيل بل أجيال اليمن!
كان واضحاً أن الشرط الأساسي لجماعة الخونج للموافقة على تعيين رئيس الجمهورية أن يحافظ على الإسلام عقيدة ومنهاج حياة "الإخوان المسلمين"، ولقد واجه الرئيس "صالح" كثيراً من العنت ووافق على أن يرأس المعاهد العلمية عند أن استبعد مرشحين لهم صلة بالتنظيم المتطرف في مصر، فكان أن وقع اختياره على الأستاذ مشرف عبدالكريم رئيساً للمعاهد العلمية، وسطاً وله مقامات تصل حد إنكار بعض المتطرفة في حلقات مصيرية داخل التنظيم!
كانت السطور واعترف بالاستطراد فيها، وإنما أردت أن أضعها حيثيات للربط بين منهج "الإخوان" القائم على التلقين، والمنحى المتطرف في خط المنهج الدراسي السليم. فلقد خرج الإخوان جيلاً لا يؤمن بغير "الإمعية" واتباع منهج الضلال. لم أستطع إقناع طلابي في الماسترد والتصورات أن مصيبتنا أننا نسير على هذا النحو من التقليد السقيم.
لقد يكون -برغم الخطأ- أن يكون مفهوم التقليد على هذا النحو من الاستمرار الذي يحول دون تنمية حقيقية ينشدها الوطن اليمني، هذه التنمية التي لا ينجزها غير الابتكار والجديد الخلاق. قد يطول الكلام في المشكل الذي يعرض للمنهج الذي نحاول أن نهرب منه، نظراً لتعقيده، وهذا أمر في غاية السوء والخطر؛ ولكن لا بد من إلقاء الضوء عليه وتحديد ما هو؛ فالتشخيص ضرورة وعلى درجة من الأهمية، هو فاتحة للعلاج، وهو المدخل الصحيح للعلاج، فالانصراف لتحاشي المواجهة أشبه ما يكون بهذا الطيب الكسول -إن صح التعبير- الذي يعالج السرطان بمهدئ الإسبرين أو "البندول".
إن المشكل يا معالي الوزير أننا لم نعد نستطيع العلاج، علاج أبنائنا الفاشلين، الذين لم يستطيعوا كتابة تقديم لمدير مؤسسة خدمية، كانقطاع الكهرباء أو غلاء أسعار قرص الخبز أو تقديم شكوى لأمناء العواصم الذين تهمهم كاميرات التصوير وفصاحة الأسلوب أكثر مما يهمهم زلزال الإيجار لعماراتهم ...الخ.
إنها القارعة، وما أدراك ما القارعة، عندما لا يُحسِن أستاذ اللغة العربية كتابة صفحة بدون عشرات الأخطاء اللغوية والإملائية. هل نكلف أنفسنا فنخطط لمؤتمر يعنى بموضوع ملايين طلاب الجمهورية وإنقاذهم من التلقين، الذي هو ناتج عن عدم المنهج؟ السؤال يضع جوابه الأخ وزير التربية والتعليم.

أترك تعليقاً

التعليقات