فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
تعرفت إلى الأستاذ العبقري مواجهة في القاهرة بمصر، الشاعر الكبير والقيل الأجل عبدالله البردوني ليلة كاملة، هي ليلة وداعه لليمن السعيد بعد أن شرف اليمن والشعر العربي بصباح شعري ضمن ندوة سنوية يقيمها المعرض الدولي للكتاب، الذي حضره زعماء الفكر والأدب وفنونها. تخيلت الأستاذ كما استقر في مخيلتي الشاعر بشار بن برد بن يرجوخ الفارسي الذي يعد منعطفاً في تاريخ الشعر العربي قاطبة.
رجلاً طويلاً بارز الكتفين واضح البطن غليظ الوجه عابس المحيا ثخين الأطراف قلق الحواس والحركة، قد أثقلته مواجع الجمهورية كما أجهدته طوارق ومصابيح الملكية السود! فماذا رأيت الشيخ الشاعر؟ وكيف؟! رجلاً وسطاً بين الطول والقصر مجدور الوجه مقبول الشكل حد الظرف واللطف، بسيطاً وتلقائياً وعادياً ومرحاً يتقطر شعبية ومباسطة ليكون "ابن سوق" بما في الكلمة من معنى! أعتذر للأستاذ في سكن خلده ومستقر رحمته تعالى عن هذه العبارة التي لم أجد لفظاً آخر يقوم مقامها!! كطفل بريء يحب أن يرتع ويلعب، حتى إذا ما دارت كأس الأدب بين الندامى، تمعر وجهه وظهرت على أساريره صلصلة الوحي، فإذا أنت أمام عالمَ من المعارف وأودية سيالة من مفهومات الأشياء التي لم تعرّف (بتشديد الراء). وعلى ضفة كل واد يقف بك الشيخ الأعمى (مجازاً) على لطيفة أو نكتة أو ملحة أو طرفة، وكل ذلك نابع من تجربة واقعية عاشها أو تجربة واقعية تخيلها! 
حكى ذات مرة حين حكم صاحب لحية غير مهذبة على الشاعر المقالح بالخروج من الجادة، فكيف يكون "الله رماداً"؟! سؤال رمى به جاهل أو جهال لا يعرفون الشعر والنثر معاً، لا يفهمون الفرق بين الحقيقة والمجاز، بل لا يفرقون بين الإسلام والكفر... بشارة زفها الشاعر المقالح: "لقد خصص الرئيس بضعة عسكر حراسة لي ولك"، فأجابه الشيخ البردوني: "وددت لو أنا مبصر، لكنت أحد حراسك".
الحديث عن الشيخ البردوني ذو شجون، تنفد الطروس والأوراق ولا ينفد... اللهم حنانيك بالذي أماته الحنان وأحياه حب عبادك اليمنيين المعذبين في الأرض!

أترك تعليقاً

التعليقات