فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

كان جمال عبدالناصر في معظم خطبه يركز على عبارة ثنائية منسقة متسقة، وهي "الرجعية والاستعمار" باعتبارهما العدو الحقيقي للعروبة والإسلام، وأنه لا يمكن أن تنطلق الأمة من الخليج الثائر حتى المحيط الهادر إلا بزوال هذه الأنظمة المعاقة التي تتربص بأمة العرب والمسلمين العداوة والبغضاء. 
لكن كثيراً من العوام لم يأخذوا تداول هذا الخطاب إلا باعتبار أن ناصر يركز على هذه العبارة لأنه لا يملك كثيراً من العبارات الجديدة وفق الحديثة أو القديمة، مما يجعل هذه العبارة ساذجة، لأن العوام لم يدركوا ما يدركه المثقفون مما تؤكده الأحداث. فالاحتلال البريطاني لمصر والذي بدأ سنة 1882 لم يخرج إلا مكرهاً سنة 1956، إذ اعتبر هذا الاحتلال مصر مركزاً مهماً على الجانبين الجغرافي والسكاني. غير أن المصريين الأحرار طردوا هذا الاحتلال بكل إباء وإمكانات المقاومة والبسالة والنضال، ولم يقف هذا الدخيل إلا أن يأخذ عصاه ويرحل، ولكنه ركن إلى غير قليل من المرتزقة ليكونوا أدوات الاحتلال المقابل والموازي للاحتلال المطرود، وكان هذا الاستعمار قد اختار هذه القلة من فئات المجتمع، ففيها أساتذة الجامعة وضباط الجيش ورجال الأعمال والتجار والعمال المهرة وملاك الإقطاع... ولم يزل العديد من ورثة الاحتلال البغيض يعملون بكل الإمكانات خداماً للاستعمار البغيض.
كان جمال يقصد بالرجعية بني سعود، الذين حكموا على ناصر بأنه كافر ملحد شيوعي ولو صعد منبر الأزهر مراراً وتكراراً، ولو صلى وصام وحج واعتمر وولى وجهه شطر المسجد الحرام جهده، علماً أن ناصر كان وبمعطى الخطاب الإسلامي ساعد في طرد الاحتلال من شمال المتوسط كالجزائر وتونس وليبيا، ومدهم بالخطاب الإسلامي فكراً وأمدهم بالسلاح والمقاتلين.
الرجعية أداة الاستعمار، وبني سعود هم النموذج لدعيّ العروبة والإسلام. وأحسب أن العوام قد تبين لهم الخيط الأبيض من الأسود، فقد كانت هذه الأنظمة الرجعية تتستر بالنفاق، حتى بدأت "صفقة القرن". أمرت أمريكا بمحفلها اليهودي و"إيباك" يهود أمريكا هذه الأنظمة أن تعترف بالمحتل "الإسرائيلي" الغاصب، فظهر "المخبأ" باللهجة اليمنية وبان الخبر، فأصبحت إمارات أشباه الرجال متسارعة لإثبات ولاء مطلق للكيانات اليهودية، ليضمنوا عروشهم الهشة والقوامة لبني سعود الذين قمعوا ثورة البحرين بتدخل سافر، فحركوا "درع الجزيرة" فضربوا المنامة بالدبابات كما حشدوا من قبل ألوف المرتزقة من أردنيين ومغاربة ويهود ضد ثورة اليمن 62، وبناء عليه فقد أدرك اليمنيون -عالمهم وجاهلهم- ما كان يعنيه ناصر بالرجعية.

أترك تعليقاً

التعليقات