فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
السؤال الأكثر أهمية: ماذا نريد من الجيل الصاعد؟! ألوف أبنائنا الشباب، بنين وبنات، يؤدون امتحانات المرحلة الأساسية والثانوية في اختصاصات مختلفة. ماذا نريد من هذا الجيل، بنين وبنات؟! ولسنا بحاجة لأن نذكر ببعض السلبيات التي قد تكون عائقا أمام طموحات بلادنا التي تستشرف آفاقا جديدة يضيئها هذا الجيل بالمعارف المختلفة. ومن أبرز هذه السلبيات أن نفهم لفظة "الجيل" كما فهمها كثير من أهل الغفلة، وهي الكثرة التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا من أمور الدين أو الدنيا، فلا بد من مفهوم متقدم لهذه اللفظة الخطيرة: "الجيل".
إن كياننا البنيوي يحتاج إلى رسم خريطة تشكل حقيقة ضرورية، وهي: ماذا يريد اليمن من هذا الجيل، خاصة وأن كياننا البنيوي غير مكتمل؟! ولا بأس أن نشير إلى أن الظروف الاقتصادية قد حاولت أن تشكل مفهوما في وعي ولا وعي الكثرة الكاثرة من عقلية أبناء شعبنا اليمني، فعلى سبيل المثال –وبدافع الحاجة– أصبح كثير من الآباء والأمهات، بل أصبح أبناء وبنات هؤلاء الآباء والأمهات يدفعونهم إلى الاختصاص العلمي الذي "يؤكل عيش" كما يقول إخواننا المصريون، بينما العلوم الإنسانية لا محل لها من الإعراب، وهذا مفهوم قد يؤدي باليمن بشكل كامل إلى ما يسلبه حرية الحركة في الحياة والنظر في المستقبل على نحو واعٍ ومستقيم.
إن الذين قادوا الحركة النهضوية في العالم، وفي وطننا العربي بخاصة، دعوا إلى الموازنة بين العقل والفكر، أو بين المادة والروح، فهم المفكرون العباقرة والفلاسفة المستبصرون. وإذا أشرنا إلى أن النهضة إنما قامت على أيدي المخيلة الأدبية فإنما نؤكد حقيقة تاريخية وهي أن بلدنا اليمني إنما بدأ يستشرف نهضة الحياة الجديدة وفق شعراء وأدباء وكتاب، مما جعل هؤلاء المفكرين والأدباء يدفعون أدبهم وفنهم غاليا ولم ينتقم من هذه الدماء المسفوحة بسيف الإمامة وغيره من المثبطين إلا هذه الشعلة التي أضاءتها ثورة هؤلاء الرائعين.
إن من الأسف الشديد أننا نجد الرأي العام الطلابي يتجه نحو الأقسام العلمية باعتبارها المخلص من الفقر والعوز. وكادت المخيلة الذهنية تخلو من الإبداع إلا الإبداع الرقمي الجاف، مما يثبت الحس والشعور عما يمكن أن نطلق عليه "البلادة وعقم الاختيار".
لقد فطن بعض زعماء النهضة في الوطن العربي، وعلى الأخص الإمام محمد عبده والأفغاني، إلى ضرورة أن يكون هناك توازن بين العلوم الإنسانية كالأدب شعرا ونثرا ومنطقا وفلسفة وبين العلوم التطبيقية التي تستخدم المعمل أكثر مما تستخدم الحس والشعور، ومن ثم فإن الواجب على الدولة وأخص بالذكر وزارة التربية والتعليم والمعاهد بأنواعها المختلفة أن توجد تصورا واضحا لمفهوم التربية والتعليم، وماذا يريده اليمن في الراهن.
وما ينبغي أن نشير إليه هو أن كثيرا من المؤسسات فاشلة، لأنه لا تصور واضح لها في إطار سياق العنوان الذي عرفت به، وكثير من الخطط الناجحة إما منسية في أدراج الوزراء وإما مرمية في زبالة الملفات.
إن الراهن لظروفه الصارخة والفاقعة جدا يتطلب إلينا الإحساس بالمسؤولية في سبيل أن نخرج من هذا الإغماء وهذا السبات الذي يفضي بنا إلى قرارات مجهولة الهوية والمصير مما يستدعي أن نعيش في ظلام وضلال. ومن النصح بمكان أن نلفت الانتباه إلى أن الحاضر غير الماضي، وأن المستقبل يحثنا على الانطلاق نحو آفاق جديدة من التصورات الواضحة الصادرة عن ذهنيات مستنيرة. ولا بأس في هذا المقام أن نشير إلى أن الظروف الصعبة قد تكون ضرورية كمقدمة لفهم المستقبل ومتعلقاته المختلفة، مما يجعلنا نذكر في هذا السبيل هذه المخترعات البكر التي أثبت بها شبابنا الصاعد أنه قادر على الاكتشاف والاختراع، وأن هذه الموجة من الاختراعات يمكن أن نستثمر بها ونستقطب مليارات الدولارات، براءة الاختراع، والأكثر فخرا أن هذه الاختراعات لم تتم بدفع وتشجيع من الدولة، وإنما قامت على جيوب فقيرة استبدل بها أصحابها مصروفهم اليومي في سبيل هذا الإنجاز الرائع.
إن هذا الجيل الصاعد قادر على الرهان والإنجاز أكثر مما نتصور، إذا وجد الدعم الكافي والتشجيع الوافي من قبل مؤسسات الدولة. والله المستعان.


أترك تعليقاً

التعليقات