فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

لبناء الشخصية شروط موضوعية مباشرة وغير مباشرة. أما المباشرة فمنها الرعاية العلمية وأنواعها. وقد أجمع الذين يمتلكون المال على إرسال أبنائهم إلى مدارس خاصة وكليات محترمة مثل "سانت هيرست" التي تخرج القيادات والزعامات. ومن سوء حظ الأفندم (الصفي...) استبدل بها كلية في الأردن، لأن النجاح في الأولى شاق وصعب. ومثله فخامة الرئيس المستقبلي عبده، والذي بين الحين والآخر يتحفنا ببعض نظريات مثل "الأرجل يتحركين"، وهي النظرية الكوميدية التي لقيت إعجاباً عند من سمعها، صورة وصوتاً. والذي يريد أن يضيف بعض الشروط الموضوعية فعليه بقراءة "البيان والتبيين" لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، الذي أطلق نظرية رصد وتدقيق لأجانب حكموا المجال العربي عقوداً، فلقد قال إن الدولة الأموية دولة عربية، بينما الدولة العباسية دولة أعجمية، فلقد سقطت الدولة الأموية سنة 132هـ ليتولى مقام الحكم العباسيون حتى سنة 656هـ وهامش تاريخي. قال الجاحظ إن من الشروط الموضوعية لتنشئة الشخصية المال والذرية والمران، وهذا ما تحقق للخليفة المأمون بن هارون الرشيد، فالمأمون ذو خؤولة فارسية، فأمه "أم ولد"، أي أنه ابن جارية، والذي تولى (كبر) هذه التربية أخواله الفرس، الذين حكموا من بداية أمير المؤمنين المنصور حتى الخليفة المتوكل. ويشترط الجاحظ النباهة والبداهة، فهو يستعيذ بالله من الغفلة. ولقد توافر لفخامة الذي قتل نفسه شروط معنوية، حتى أنه أطلق على نفسه لقب "المحنش"، وكان أن انطبق عليه المثل اليمني تمام المطابقة، وهو: "مصير المحنش للحنش". ومن خصائص بناء الشخصية: اللماحية والمناورة، وهما علامتان تدلان على قوة بناء الشخصية. وتذكر بعض الكتابات أن الإمام أحمد حميد الدين عندما قامت قيامة ثورة طلب إليه الثوار أن يتنازل عن الحكم لأخيه سيف الإسلام عبدالله قال مقولته المشهورة: "من اليمين للشمال"، كناية عن أن الحكم سيظل حميدياً. ثم حين لاحت له أول فرصة أعمل السيف في رقبة أخيه سيف الإسلام ورقاب المسلمين معه. وقد كان "الزعيم" أكثر مهارة حين حكم 33 عاماً، ما يدل على قوة شخصيته، ولكنه القدر الذي سحب منه هذا البناء الشخصي القوي ليضعه في موقف ممثل كوميديا مأساوية وقف فيها ممثلاً وحيداً!

أترك تعليقاً

التعليقات