فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
مثل أضربه لزملائي طلاب الجامعة، وهو أن إشارات المرور التي تضبط حركة السير وتحول مجراه من منطقة إلى أخرى وتحدد أيضاً زمن السرعة والتنبيه على وجود مطبات ومعوقات أخرى لا يعني بحال أن إدارة المرور تستهدف هذا السائق أو مركبته. وهذا المثل أضربه لزملائي الطلاب لأوضح فيه من الواقع فكرة أن النصح والتنبيه الصادر عن الأستاذ التربوي المربي لا يهدف إلى استخفاف بعقل التلميذ واحتقاره، وإنما هو من أجل مصلحته.
أستعير هذا المثل لأخاطب به بعض الوزراء، فلا يدل ذلك على أني أسخر منهم أو أهزأ بهم، فأنا أسأل معالي الأخ وزير التعليم العالي، الذي أحترمه كثيرا، الأسئلة الآتية: كم عدد طلابنا في الخارج؟ وكم هي فترات بقائهم في جغرافيات أخرى؟ فمعروفٌ أن هناك طلاباً تجاوزوا سنوات طوالاً، فقد ركن كثير منهم إلى عدم محاسبتهم فيما يتعلق بالزمن ولا تربطهم علاقة بالدولة إلا المرتبات التي لا تصل إليهم كاملة، إذ يسرقها المسؤولون الماليون في الداخل والخارج على السواء.
وينتقل السؤال إلى أخ فاضل آخر هو معالي وزير التربية والتعليم، على النحو الآتي: هل هناك سياسة ابتعاث تحدد الاختصاص بحسب احتياجات بلادنا؟ بعبارة ثانية، هل يستطيع وزير التربية أن يحدد ما هي مجالات الاختصاص التي تشكل متطلبات ضرورية يحتاجها الوطن؟
في زيارة علمية للقطر الشقيق تونس صحبتني موظفة تشتغل في مجال التربية إلى وزارة التعليم، فهالني ما رأيت: مكاتب مقفلة وحركة ساكنة ليس كما هي الحركة في وزارة التعليم العالي أو وزارة التربية والتعليم في بلادنا، وعندها سألتُ المرافقة: هل هو يوم عطلة؟ فاستغربت قائلة إن عدم وجود الحركة صادرٌ عن سياسة مفادها أنه في نهاية اختبار السنة الثانوية ترسل إلى المراكز في الحواضر والأرياف استمارة تحدد ما هو الاختصاص المطلوب، بحسب رغبة الطالب، وتنص على الآتي: الدرجات التي تستهدف كل اختصاص، وهناك درجات لكلية الزراعة وأخرى للهندسة والطب والعلوم والرياضيات والعلوم الإنسانية... فإذا ما انتهت الوزارة من رصد النتيجة ترسل خطابات إلى كل طالب بأنه قد تحدد اختصاصه في واحدة من هذه المعارف السابقة، وإذا كان بالريف مثلاً فهي تحدد له محل الإقامة المجانية وحركة الباص من محل الإقامة إلى الكلية بشكل مفصل وبواقع خارطة سهلة واضحة، وتعمل الدولة -وفق هذه الخطةـ على القضاء على الإحراج الذي يتأتى عن المحسوبية والرشوة واعتبارات أخرى، فالقانون يساوي بين الناس ويعطي كل ذي حق حقه.
والسؤال الآخر أن اليمن يعيش سياسة غير متوازنة فيما يتعلق بإعداد الكفاءات المطلوبة لسد الاحتياجات التي نؤكد أن بلادنا بمسيس الحاجة إليها، فمازلنا نحتاج كل فروع التعليم العلمية وغير العلمية، وخاصة في الريف، الذي لم يعد في أغلب الأوقات مكانا يغري الأساتذة بالذهاب إليه.
إن أي وزارة في بلادنا (ولا نقصد الإساءة إلى أحد) تحتاج إلى مساعدات في توضيح الرؤى وتبصير المسؤول الأول بكثير من الطرق الواضحة التي يستدعيها واقع الحال، فغالباً ما تلتف مافيا الانتهازية الشخصية حول كثير من الوزراء لتلهيهم كما الشيطان يلهي المؤمنين، فتصرفهم بدافع من نوازعهم الشخصية الأنانية على أن يبصروا مسؤوليهم الكبار لسد فجوات ينبغي أن تسد ويساعدهم على رؤية كثير من حقائق الأشياء.
إن اليمن لن يصل إلى تحقيق آماله الكبار إلا برؤى بصيرة تقف دافعاً لكثير من التوجهات الوطنية، خاصة واليمن في موقعه الجغرافي المهم مستهدف ليظل عاجزاً أو يظل كحوش لنفايات الأعداء قلوا أو كثروا. والله وحده من وراء القصد.

أترك تعليقاً

التعليقات