فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
أحياناً يكون للقات دور في تنشيط قرائح قد تبدو متمردة على الواقع بعد أن طفح بها الكيل. ومن دون إسهاب نلخص "فكرة قات" قرحت لتثير جدلا بين "المخزنين"، وهي عبارة عن سؤال: ما دمنا نطبق حدود الشرع، لماذا لا نطبق حد الإعدام في قاض فاسد سلب حقوق الناس وأحل دم مسلم بفعل الرشوة؟!.
لقد اجتمع أحد رؤساء اليمن المتأخرين بمجموعة من القضاة وناقش معهم قضية الفساد العابث بالقضاء، وكان أحد هؤلاء القضاة ذا شجاعة أدبية، إذ قال لفخامة الرئيس وبلجهة محلية: "كيف تشتونا نبتعد عن الرشوة والقاضي ما يحصل حق عودي قات سوا ولا صغيرة لحمة، ما به الا أدوا معاش سوا واحنا نبطل الرشوة". فشكر الرئيس هذا القاضي على صراحته، وبعد أسبوع صدر توجيهه إلى المالية باعتماد "كادر" قضائي، وإن هي إلا فترة مرت فإذا بهذا القاضي وغيره من الفاسدين لا يكتفي بحق القات والصغيرة اللحمة، وإنما أصبح يطمع ببناء بيت وسيارة وربما زوجة جديدة فوق أم الأولاد.
كنت معترضاً على أن أقر "صديقي المخزن" بإعدام هذا القاضي أو ذاك، باعتبار أن حكم الإعدام وإراقة دم المسلم لا يحل إلا بما قرره الشرع. ولكن إبراء للذمة -وأنا متعاطف إلى حد ما مع هذا المقترح- أحيل الفتوى إلى جهة الاختصاص، وهو القاضي مفتي الجمهورية ليقرر ما يشاء، وقلده الله!
على افتراض أن المفتي أجاز الإعدام في حق هذا القاضي أو ذاك وقد تبين من سلوك هذا القاضي الفاسد أنه يحل حقوق الناس بغير حق ويبيح الدماء بشهادة زور ويستخرج الجنسية لإنسان غير يمني... فإنني أطمع أن يخرج في الوقت نفسه قضاة مشهورون بالفساد ويعدمون في ساحات عامة كل في محافظته. ومن باب براءة الذمة فإننا لا ينبغي أن نقع في تناقض فنعترف بفساد القضاة ولا نطبق عدالة الله فيهم، ومثل هذا القاضي الفاسد التاجر الفاسد الذي أصبح يتلاعب بأقوات الناس ويحول دون حياة معقولة لهذا الفقير الذي لا يستطيع أن يكفي أولاده القوت الضروري ليس لوجبات ثلاث وإنما لوجبة واحدة، فنريد أن نسأل القاضي مفتي الجمهورية: هل يجوز إعدام هذا التاجر -تعزيرا- لأنه لم ينتفع بموعظة ولم يحترم توجيها ولا يتعاطف مع مناشدة؟!
مثل هذا التاجر الفاسد وأخيه القاضي الفاسد. ذلك الوزير الذي استغل منصبه في تهريب العملات والإضرار بالاقتصاد الوطني، وأصبح يقدم الاستشارات والإحداثيات للعدوان ويستغل شنطته الدبلوماسية ليستورد فيها المخدرات المحرمة ويعبث بمصير الأمة.
إن هذه الأسئلة وهذه الفتاوى الشعبية تعبر عن قلق لا نقول طائفة من الشعب وإنما عموم الجماهير الذين لم تعد استغاثاتهم مسموعة من قريب أو بعيد. وإذا كنا قد فهمنا بشكل اعتقادي واضح أن ديننا الإسلامي يحافظ على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وأن الإسلام نافع في كل زمان ومكان لا يقتصر على العبادات وإنما هو حركة حياة، فإننا نناشد مفتي الجمهورية (حفظه الله) أن يتحمل أمانته التي واثقه الله عليها فيدرس القضية أو هذه الفتوى الصادرة عن إنسان "مخزن"، فربما كانت هذه "التخزينة" صادرة عن مرارة قد لا يقولها كثير من العقلاء، فلا خير فينا إذا لم يبلغها المفتي، ولا خير فيه إذا لم يدرسها ويخرج منها بحل، إرضاء لله، والمسؤولية على عاتقه كإخوانه من العلماء الأفاضل. والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات