تكافؤ
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
عمل العقلاء من أبناء الشعب اليمني أن يكون التكافؤ على كافة المستويات بين اليمن والأشقاء السعوديين مدماكاً قوياً وصلباً تقوم العلاقة بين البلدين الشقيقين على أساسه. ونحن كقراء، كشعب يمني، نطمح أن تكشف حكومة البناء والتغيير ملف هذه العلاقات من خلال الرسائل المتبادلة والمحادثات السرية التي كان يقوم بها السياسيون من الطرفين، بل نحن نريد كقراء ومواطنين أن تكشف جهات الاختصاص ملفات أو شبكات الجواسيس الذين كانوا يشكلون طوابير فردية أو مزدوجة يستلمون بالريال السعودي واليمني ابتداء ببعض المشائخ مروراً ببعض التجار، وليس انتهاء بالمسؤولين، عسكريين ومدنيين، وأياً كانت الأسباب التي أدت لقتل الغشمي والحمدي في الشمال والشعبي قحطان وسالمين وتفجير «اليمدا»، في الجو، فإن الأفضل والأكثر صواباً هو معرفة أن أسلوب بن مسلم والمخابرات السعودية لم يعد يناسب العصر الذي ينبغي أن يلتفت لتعميق روابط الإخاء وينهض بعملية تنمية مستدامة ومواكبة التغيرات التي يحاول الأعداء الحقيقيون فرضها كواقع تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد»، وغير ذلك من مصطلحات لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار.
واجب الطليعة الجديدة التي تطمح إلى بسط ذاتها لمملكة جديدة - محمد بن سلمان، أن تواجه معطيات معاصرة تطرح وراء ظهرها كل السياسات القديمة التي لم تعد تناسب حتى تفكير بن مسلم ورؤى سمو الأمير سلطان وبعض مشائخ اليمن الذين باعوا وطنهم لسموه في القديم والجديد.
كلنا يرجو كشف طائرة «بن مسلم»، مساعد سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، أو مسؤول التنفيذ للمخابرات العربية السعودية، وهو نفسه الذي حمل «الشنطة»؛ شنطة اللجنة الخاصة، إلى الأستاذ علي سالم البيض عشية إنجاز الوحدة اليمنية، بغية فركشة هذا الإنجاز الأمل والحلم الأكبر، وقيل إن الأخ علي سالم البيض استشار الرئيس صالح أن الأشقاء أرسلوا «الشنطة»، فأجاب علي صالح: «خذوها واصرفوا، حلال زلال»!
قيل إن بن مسلم أشرف مالياً على إعدام إبراهيم الحمدي، الذي طفح كيله جراء «سخرة» اليمن وإلحاقه وضمه ليستمر ذيلاً للسعودية. وكان رأي بعض المشائخ أن يقتل إبراهيم، لأنه «زوّدها» حبّات وليس حبّتين، وأصبح إبراهيم يرى أن بعض الجواسيس اليمنيين الذين يوافون بالنيات والأفعال معاً الأشقاء في الرياض وغير الرياض بكل ما استجد وما يستجد من «نيات» وأفعال على كافة الصعد.
ويعلل بعض المحللين القريبين من صنع القرار الوطني اغتيال أحمد حسين الغشمي بأنه كان بسبب حجزه أموال السعودية على المشائخ، وبعد جهد جهيد اتفق على أنه لا يرى بأساً في تدفق المال السعودي، شريطة أن يعلم لمن صُرف هذا المال وما مقداره!
ورأى العملاء أن القرار سيحد حركة هذا المال، وبالتالي سيحد مفاعيل «الشنطة»، فهو سيكشف «المُخبّى». وقال بعض المطلعين إن قتل الحمدي راجع إلى قراره منع بعض المشائخ من أن يتخذوا مرافقين أكثر من جنديين بسلاحيهما الشخصيين، وأن يلزم هذا الشيخ بيته وعدم دخوله صنعاء إلا بإذن الرئيس.
مشكلتنا مع الأشقاء في المملكة السعودية عداء تاريخي يتراكم عبر السنين. وشيء طبيعي أن يتراكم هذا المشكل ليصبح مشكلات فرضها الواقع الجغرافي بالدرجة الأولى، كما فرضتها وقائع أخرى، كسيادة منطق الشمال على الجنوب، وهو أمر من متطلبات العقد النفسية... ولكن السؤال: إلى متى تستمر هذه العقد تتحكم في نسيج علاقة متشابكة تخلق باستمرار أزمات لا تنتهي من شأنها توقيف عجلة التنمية، بل أخطر من ذلك تخلق حساسيات مفادها القطيعة والعداء المتصل؟!
لقد كان على القيادة الجديدة (ابن سلمان وجنوده) أن يفيدوا من تجارب جيل قديم ليس بعيد، يتمثل في الآباء ذوي الزمن القريب جداً، نقصد جيل فيصل وسلطان ونائف وخالد. فلقد كان هذا الجيل، رغم نهجه التوسعي، يرضخ أحياناً للحكمة ويغلب النظر في العواقب.
مشكلتنا مع الأشقاء السعوديين أنهم يعدون اليمن ضمن مقتنياتهم، وباباً خلفياً وباباً وسطاً وطرفاً ومباشراً وكذا حوشاً للمملكة، ولم يفهموا بعد أن العلاقة المتكافئة هي السبيل الأوحد للتنمية والاستقرار والازدهار. والسؤال: إلى متى؟!
لقد أنشأ الأمير سلطان بن عبدالعزيز ما سمي «اللجنة الخاصة»، وترجمتها «شنطة الفلوس» التي كانت وما تزال حائلاً أمام علاقة صحيحة ومثمرة. واعتقد «سمو» الأمير سلطان وأصحاب «السمو» الأمراء أنهم قادرون ليس على شراء القرار اليمني المستقل وحسب، ولكن على قتل أي صوت يمني يطمع في استقلال القرار الوطني، في الشمال والجنوب. قتلوا الحمدي، ثم الغشمي، قتلوا قحطان الشعبي وسالمين وفجروا طائرة «اليمدا» و»الشنطة» لما تزل مفتوحة، وحسبنا الله ونعم الوكيل!

أترك تعليقاً

التعليقات