فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

من زمن بعيد كان الشرق الأوسط محل استقطاب، وكان محل استعمار، فالمعادلة من قبل الاستعمار الشرقي والغربي: أن تكون هذه المنطقة مستعمرة بشكل مباشر عن طريق الاحتلال، وإما عن طريق "بوادر واستطلاع" تكون مقدمة للاحتلال. ولقد كانت جهود الاستشراق، كما يقول إدوارد سعيد، هي التمهيد للاحتلال، انطلاقاً من مبدأ "اعرف عدوك" لتنتصر عليه. ولعل أحداً لم تواته الفرصة ليقف على حقيقة مؤداها أن هؤلاء المستشرقين كانوا علماء ذوي اختصاص، مثل "كريستيان نيبور" قبل 3 قرون، الذي زار الجزيرة العربية وسوريا ومصر، وقدم خلاصة رحلته للملك فريدريك الخامس، ملك الدنمارك. ووقف هذا المستشرق على كثير من الحقائق المعرفية الشاملة المتعلقة بعلم الأجناس والجغرافيا والدين واللغة والسكان والمذاهب الفكرية والعادات والتقاليد... ونشر بحوثه في كوبنهاجن سنة 1774. وإذا كان نيبور قد استكشف بنجاح ما أراد كشفه، باعتباره أول مستكشف أوروبي، فإن معلوماته التي جمعت من الاستخبارات التي تقدم حقائق مباشرة عن البلد المراد استعماره وبين المعارف الضرورية اللازمة لأي مستشرق هو طليعة المستعمر، فإنه يعطي دروساً في الصبرة والأناة والحصول على المعرفة التي تؤدي إلى هدف أو أهداف. وأبرز هدف هو المصلحة الاقتصادية. ولعل أدولف هتلر كان تأكيده على درجة من الشفافية، إذ ذكر في مذكراته "كفاحي" أن غايته هي أن يكون الشعب الألماني موفور الحالة المعيشية، فحروبه التي أشعلها شرقاً وغرباً كانت من أجل رضا شعبه ولو على حساب الآخرين!
ولم يكن "نيبور" وحده الذي عني بالمعرفة لأجل بلاده، فها هو "جات فرانسوا شامبليون"، الذي فك لغز "حجر رشيد"، وهو الحجر الذي أتاح له التعرف على لغة المصريين القدامى وهي الهيروغليفية، فإن هذا دليل على أن شامبليون كان عالماً ضمن علماء آخرين قدموا مع الحملة العسكرية التي احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1798. وهذا يعني باختصار أن الحملات العسكرية كانت مسبوقة بحملات علمية تمد المستشرقين بكيفية احتلال هذا البلد أو ذاك. وبموجب اتفاقيات المستعمرين، فقد استعمرت مصر وبعض بلدان الخليج شرقاً وسقطت بلدان شاطئ المتوسط، كلبنان وليبيا وتونس والجزائر... ما نريد قوله هو أن ما نخافه أن يُصبح الوطني أداة استخباراتية بيد المحتل الغربي والأجنبي، ويكون هذا الوطني قد اطلع على أسرار وطنه ليقدمها كإحداثيات معرفية لتدمير وطنه. فماذا يقدم الإخوان (إصلاحيين أو سلفيين) لدول التحالف؟! وماذا يقدم القوميون؟! ماذا يقدمون للتحالف المستعمرين الجدد غير ما يقدمه المستشرق الاستعماري البغيض لتدمير الأوطان؟!
والسؤال الآن: ماذا يقدم مرتزقة العدوان للاحتلال السعودي والإماراتي غير جهل إلى جهل؟!

أترك تعليقاً

التعليقات