فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
يوازن عبدالرحمن بن خلدون (ت 808هـ)، في مقدمته التي تؤسس لعلم الاجتماع، بين الحاكم والمحكوم، أو الراعي والرعية. وهو يستخلص هذه الموازنة من ثقافته الإسلامية، وبهذا يضيف إلى علم الاجتماع الحديث تصوراً أفاد منه علماء الغرب بوجه خاص. غير أن هؤلاء العلماء فهموا الفكرة من منطلق نفعي يكاد يكون مجرداً، بعبارة ثانية أنهم أقصوا بنهجهم الجديد روحانية ضرورية هي عند المسلم ما يمكن أن نطلق عليه «الضمير الديني»، إذ الحاكم المسلم يضع مراقبة الله أساساً في سلوك إدارة الحكم أو ما يسميه سيد قطب «الحاكمية»!!
يقول ابن خلدون: «إن الملك الحقيقي هو الذي يضبط الرعية ويسهر على مصالحها، يجمع الضرائب بالعقل والحق والعدل، يدافع عن البلاد، ويكون قادراً على إعلان الحرب، وعلى عقد السلم، بإدارة ذاتية من غير تأثير من الداخل أو الخارج».
وفي هذا النص ثلاث أفكار رئيسة:
- الفكرة الأولى: أن يسير الحاكم وفق نظام عام يضبط به المجتمع، وينقاد له دون تمييز أو فوارق من أي نوع، ويسهر الحاكم على مصالح هذا المجتمع، فيوفر له الأمن والأمان مما هو واقع أو متوقع.
- الفكرة الثانية: أن يجمع المال للدولة من مصادرها المشروعة بالحق وبالعدل، بما يقيم به أمر الدولة ويفي بمتطلباتها، فإنما الدولة تقوم بالمال الذي يتسق مع ثلاثة أمور: العقل والحق والعدل، وأي أموال تأتي مع ما لا يقره العقل السليم، كأن يجلب سفها، ومالا يكون ظلماً وجوراً بغصب وعدم رضا، وما لا يتماشى مع الحق، كأن يجبى بظلم الرعية والبغي عليهم. وكان ابن خلدون قد عاش بعض سلوك يصدر عن حكام ظالمين.
- أما الفكرة الثالثة فهي شرط تستوفيه قاعدة صلاحية الحاكم في كل زمن، وهي: أن يكون الحاكم ذا كفاءة وقدرة على اتخاذ قرار السلام والحرب، وألا يكون مرتهناً، لا للداخل ولا الخارج، ليعبر قراره عن سيادة وطنية واستقلال ناجز.
وبعد مضي قرون، لا ندري هل فكرة أو أفكار ابن خلدون سبقتنا أم تجاوزناها!!

أترك تعليقاً

التعليقات