فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
لم يحسم مصطلح «المقام» الموسيقي -كأي مصطلح فني- حتى اللحظة؛ ولكن بالإمكان أن أدلي بوجهة نظري في هذا الإطار؛ فـ»المقام» لحن يتغنى به شعب من الشعوب الإقليمية أو داخل شعب من الشعوب الوطنية، يعبر عن تجليات كثيرها مجموعة من الشؤون والشجون البهيجة أو الكسيفة، الموجهة توجيها وجدانياً.
ولقد ورثتها الشعوب وراثة تقليدية، وأطلقت لحونها على وزن وصيغة موسيقية معينة، وأصبح كل مقام يعبر عن نغمة معينة، فهناك مقام «الصبا»، و»البيات» و»الحجاز» و... و... الخ. وأصبح كل قطر من الأقطار العربية يصغي لمقام معين ويعبر عنه مقام معين، بل أصبح كل شعب في الوطن العربي يفضل مقاما، سواء أكان هذا المقام في طور قراءة القرآن كعبدالباسط عبدالصمد الذي يقرأ على مقام الصبا ومثله رياض السنباطي في ألحانه وكمحمد عبده وطلال مداح مقام «الحجاز»... الخ، وسعدون جابر مقام «عراقي»...
وأريد أن أصل إلى فكرة أن كل منطقة عربية يكاد يوجد لها أكثر من مقام، وأقترح أن يطلق في اليمن أكثر من مقام، فهناك المقام اللحجي الذي وطّأ أكنافه الأمير الشاعر أحمد بن فضل القمندان. وعلى فكرة هو الذي يعود له الفضل في زراعة «الفل» وثمرة المانجو في «بستان الحسيني» عند زيارته للهند. ثم يأتي من بعده الفنان الكبير فضل محمد اللحجي، عرفته يغني بداية السبعينيات في لوكندة المرحوم عبده سعيد عبيد، من أهل «حدنان» في محافظة تعز (أو التي كانت تعز)!
ثم سطع لحن المرحوم فيصل علوي، الذي كان «موقّعاً» (يضرب على الإيقاع) بعد فضل اللحجي. وكنت حريصا على زيارته أكثر من مرة في بيته بمدينة الحوطة حاضرة لحج الخضيرة، فقيل لي إنه في الخليج. وعند زيارتي أمريكا في منتصف الثمانينيات سمعت خبرا سعيدا وهو أن المرحوم فيصل علوي موجود في مدينة «ديترويت». وما إن منيت نفسي بلقائه قيل لي إنه عاد إلى اليمن في رحلته الأخرى – رحمه الله. أقول إن المقام اللحجي -كأخيه المقام العراقي- فيه شجو حزين وحنين يخلط بالطرب الراحل والشجو المودع، والحجاز فيه عذرية وألم ناعم، والصبا فيه مرح وتصابٍ.
ولنا أن نقول إن هناك ما يمكن أن نطلق عليه المقام الحضرمي والمقام التعزي، اللذين هما أقرب للبكاء، بحكم «الاغتراب» و»الأسفار» للخارج، وإن كان «المقام الحضرمي» أكثر عذوبة كأنه أغاني نساء المغتربين في جاوا، وأرجاء إندونيسيا الأخرى. وتعز فيها لحن الحقول، التي لم يفرغ لها غير النساء اللاتي ودعهن رجالهن للغروب في عدن والحبشة.
في المولد اليمني الذي أقامه أحفاد الأنصار لنسبهم المديني سيدنا النبي سمعت أكثر من مقام موسيقي يغلب عليه الطابع المديحي الصوفي، ومثله الفنان الذي لا أطيق سماعه أحمد فتحي والذي أروع منه بلقيس ابنته، وعزفه الذي يرقى إلى أن يكون ضمن طبقة العازفين العرب وأود أن يصغي إلى هذه اللحون «المولدية» فنانونا الشباب الذين يخذل انطلاقهم وجود ملحنين أكفاء (بسكون الكاف وفتح الفاء المخففة).

أترك تعليقاً

التعليقات