سراب
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
من ينظر في بنية الشعوب الأخرى والشعوب العربية يجد في الأولى بنية مكتملة قد تَعمّقَ فيها كثير من الإرادة والمشيئة حتمية تسمق فيها معاني الحرية والاستقلال والديمقراطية من خلال مفكرين متعددي الفكر والثقافة والرؤية الباذخة للحرية والتقدم بشكل عام. أما الشعوب العربية فهي وإن تجذرت في تربتها أصول الحرية وسمقت فيها معاني الفداء، فإنك تجد في هذا الفداء -معظم الأحوال- رؤى ينكر بعضها بعضا، وإن اتفقت على مفهومات تلمع فيها أضواء الحقيقة الشاردة، وهذا الأمر يصدر عن مفهومات متعاكسة، لا لأن المفهومات فيها مختلفة الذوق وحسب، ولكن لأن القواعد فيها "مشقلبة" تكاد تتعارض، فرؤية "بن عاشور" في كثير من قضايا المصير تختلف -إلى حد بعيد- عن قضايا أحمد بن تيمية "الحراني"، وإن كان يتفق فكر سيد قطب في "الظلال" مع فكر حسن الهضيبي وهما ينهلان من مشرب واحد!
إذن فهذه الاختلافات متعددة الولاءات شكلت أثقالاً وأغلالاً حالت كلها دون حركة طبيعية لنمو مفهومات الحرية والاستقلال والبناء بشقيه العمودي والأفقي، وعلى سبيل المثال مازال أقوام يدينون بأفكار رجعية تُعلي من شأن عبادة الفرد وتدين لهذا الفرد من خلال مصالح ذاتية وترى في نكسة الحاضر وتخلف الشعب اليمني أنه حدث لك لكفر الشعب بهذا "الزعيم"، وهناك أقوام تعاكس هذا الاتجاه حد التناقض، تؤمن أن الشعب اليمني سيظل رهيناً للفاقة والفقر والجهالة لأن الفكر "العبادي" لهذا الزعيم هو السبب، وأن استمرار عبادة الفكر وتقديس الواحد "العَلَم" في الضلال والمصالح الذاتية هو سبب يشدّ اليمانين إلى قعر الطمأنينة المعكوسة، ليصبح شعار الغوغاء متداولاً في مرافق الحياة والتداول العام لها أفكار قد ترتقي مفهوم الأمثال السائرة مثل: "عهد صالح أفضل"، و"علي صالح كان يأكل ويؤكّل"... الخ.

أترك تعليقاً

التعليقات