فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

من جديد نؤكد ما كتبنا من قبل بخصوص القدوة الحسنة فمن طبيعة الإنسان أن يقلد، وفي أطوار تشكيلته الأولى، فهو يقلد أبويه في إطار البيئة الأولى (الأسرة) ما يتعلق بلغة الضرورة، حتى إذا ما شب عن الطوق صار يقلد لغة وديناً وعادات وتقاليد وسلماً وحرباً... وليس من شك في أن من يتصدى للعمل الدعوي لا بد أن تتوافر فيه جملة شروط أبرزها القدوة والقدرة، فالقدوة تقتضي أن يتطابق سلوك الوطنية مع الداعي إليها.
ونذكر هنا موقفاً من الورع والزهد والقدوة، فحين نودي باسم عمر بن عبدالعزيز خليفة للمسلمين فإن عمر بن عبدالعزيز وعلى مضض قبل البيعة، ولما أن دخل بيته وأجهش بالبكاء في وجه زوجه فاطمة بنت عبدالملك بن مروان ظنت أنه يبكي فرحاً، فما كاد يمسح دموعه بطرف ردائه حتى دعا زوجه وخيرها بين أمرين اثنين لا ثالث لهما: إما أن تتخلى عن ثروتها مجوهرات وضياعاً (عقارات) واصطبلات خيل وملابس ملكية وإما أن يطلقها إن لم تفعل، فاختارت مراد عمر ففضلته زوجاً مع أنها راجعته قائلة: لست من أوباش الناس فأنا من أسرة ملكية وهذه الأملاك ورثتها من أسرتي وراثة شرعية، فرد عليها: إن أسرتك الملكية إنما أخذتها من بيت المسلمين غلولاً. فسار عمر في الناس سيرة الخليفة العادل فكان أحسن قدوة رحمه الله تعالى. ولذا اقترح بعض الناس ما يسمى ديوان المراقبة ليقيد أصحاب الوظيفة العامة ممتلكاتهم (إقرار ذمة) مالية كيلا يعرض نفسه للمساءلة: "من أين لك هذا"؟ فليس من استقر في الوظيفة بضعة أشهر أو سنوات يعرف الناس قبل توزيره أين كان وكيف أصبح، فيكون سوء قدوة، وينسب للمرحوم عبدالقادر باجمال قوله: "من لم يستغن في عهد علي عبدالله صالح فسيظل فقيراً طيلة حياته". وسمع اليمنيون نصيحة الزعيم وهي نصيحة ذهبية: "الواحد يأكل من فوق رأسه وليس من تحت قدميه"، فإذا بهذه النصيحة تترجم إلى: "اسرقوا ولن أسألكم وسأسرق فلا تحاسبوني"، فنهب الجميع حتى أتعبوا الملائكة والناس أجمعين. فيا حكومة الإنقاذ سددوا وقاربوا وكونوا ما يناسب مرحلة المسيرة القرآنية ودعوا الشبهات فإنها محنة.

أترك تعليقاً

التعليقات