فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

في كل مائة عام يبعث الله عبقرياً يجدد للأمة دينها, ومن الدين الأدب والفن. ولا يفهم الدين إلا إنسان ذواقة، يكاد يطير محلقاً إذا سمع لحناً عبقرياً أو رأى صورة بديعة. وسمع أحد السلف الصالح قارئاً لهذه الآية التي تصف شراب أهل النار يشربه أحد الطواغيت: «وَيُسْقَى? مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ»، فخر صعقاً لافظاً آخر نفس. وكان الأدباء، شعراء وكاتبين، ولا يزالون وحدهم الذين ينفعلون بالقرآن وصحيح السنة المطهرة، ويخشعون ويخرون للأذقان يبكون مسلمين أمورهم كلها لله، مستنيرين بهدي النور المبين.
لقد فطن المسلمون الأول إلى أن يقفوا أولادهم بنين وبنات على روائع الأدب شعراً ونثراً، واختار الخلفاء لتأديب أولادهم النوابغ من الشعراء والبلغاء واللغويين، لأن هذه المعارف ترقي الأحساس وترقي الذوق، وتهذب النفس وتنير البصيرة.
ولقد انصرف قادة العرب عن هذه السُّنة إلى معارف أخرى تنمي مواهب السلب والنهب وظلم العباد وسرقة ثروات البلاد... حتى عادات الشهامة والعرف القبلي الحميد نبذوها وراء ظهورهم، فكان أن بز "فاق" الأبناء آباءهم في الثراء والحيل، ونضرب مثلاً مع عدم الحاجة لذلك لشيوعه بين الناس، فالنظام السابق كان يهجم على أرضية مترامية الأطراف كأرضية "الفرقة الأولى مدرع" ليبدأ الطاغية علي مسيء الأحمر في بيع الأطراف لينتهي إلى القلب... غير أن ثورة 21 أيلول عاجلته. وكأرضية يهجم عليها أحمد علي في منطقة "حزيز" فكانت الفكرة في البداية معسكراً فمستشفى، ولم تمهله الثورة ليستثمر. وكذا كان السياق العام في أبناء النظام سياقاً استثمارياً بمعزل عن ثقافة الإسلام وما يحلل وما يحرم.
إن الثقافة الأدبية تخلق بالضرورة توازناً نفسياً وفكرياً وحساً مسؤولاً وعاطفة مهذبة. وما يحصل خاصة عند أبناء المسؤولين من سلوك منحرف سببه التربية الناقصة، تلك التي تخلق جفاف العاطفة، والحقد على المجتمع.

أترك تعليقاً

التعليقات