فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
أولا نؤمن كل الإيمان بأن أي ثورة أو أي حركة إصلاحية لا بد أن تبتلى بنماذج ليس لها من المؤهلات غير الانتهازية، لا تشبع من التهام أكبر قدر من حقوق الأمة. في الثمانينيات نشر الأستاذ الروائي يوسف السباعي، والذي شغل في فترة ما وزارة الثقافة المصرية، نشر روايته الشهيرة "أرض النفاق"، وفكرتها الرئيسية أن مصر مطية المتزلفين المنافقين، وأن هذا الشعب العظيم يعبد كل غالب أو قاهر. والحقيقة أن الأستاذ السباعي قد تناصّ (وقع الحافر على الحافر) مع حاكم مصر في العصر الإسلامي الأول، عمرو بن العاص، وهي محاولة لتصوير انطباع خاص به عن مصر والمصريين: "أرضها ذهب ونساؤها لُعب، ورجالها عبيد لمن غلب"، عبارة قسمت مناصفة بين مصر وأهلها!
وأحسب أن "أرض النفاق" قد تم إخراجها فيلماً سينمائياً من بطولة الفنان فؤاد المهندس، الذي ظهر إنساناً انتهازياً أنانياً يعبد مصالحه حيثما كانت، مطابقاً سلوكه المثل اليمني: "من تزوج أمنا فهو عمنا"، فمن المعروف أن النظام المصري ابتداء بعصر محمد علي (الألباني الأصل)، الذي انشق عن "الباب العالي" التركي، حتى نظام ما بعد عبدالناصر، كان محكوماً بمزاج نفسي يغلب الأنانية على المصلحة الوطنية والقومية. ويرد السباعي هذا السلوك، الذي لا يقتصر على النظام وحسب ولكنه يشمل الشعب، إلى عامل يكاد يكون جامعاً لمؤثرات سياسية تعود إلى ما لقيه الشعب المصري من قهر المستعمر من ناحية، ومن موروث قديم. فليست الأهرام الشامخة سوى دليل واضح على قهر الفراعنة الملوك للشعب المصري ومقياس للحد الذي كان فيه الشعب المصري ذليلاً وخانعاً للفرعون (الآلهة)، والذي كان الإقطاع امتداداً له، ليبدو المصري ذليلاً أمام قوة السلطان أو النظام الحاكم.
ولم يكن السباعي برائعته "أرض النفاق" سوى معبر عن كل الأقطار العربية التي أصبحت "أرض النفاق"!! حيث الشعوب العربية مستعدة أن تبيع شرفها ومصالحها لمن "تزوج أمنا، فهو عمنا".

أترك تعليقاً

التعليقات