فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

ليس درساً في اللغة وحسب، بل وفي المصطلح أيضاً، فللغة استخدام خاص بحسب إرادة المتكلم. بعبارة ثانية هناك ما يسمى "اللغة المتداولة" التي لها صلة بحياتنا اليومية، وهناك اللغة الثانية تلك التي نعبر بها عن العواطف والمشاعر الخاصة، وهو ما يطلق عليه علماء اللغة "اللغة الشعرية"، وقالوا إن الإنسان يستخدم أكثر من لغة من الصباح حتى المساء، فلمخاطبة الأطفال كما الكبار لغة، ولكل الأشياء لغاتها الخاصة، وللتعبير عن أي موضوع لغته الخاصة... ويقول علماء اللغة إن أي لغة لا بد أن تحتفظ بتصنيف خاص في إطار اللغة العامة، فهناك لغة التجارة، ثم لغة السياسة، اللغة الدبلوماسية، وهي لغة مطاطة ودليل ذلك أن قرار مجلس الأمن حين احتدام الحرب بين العرب و"إسرائيل" نص على أن تنسحب "إسرائيل" من "أرض عربية" (بالتنكير) يعني من "أرض عربية" وليس من "الأرض العربية" بالتعريف، فالتنكير يفيد عدم الشمول، بينما التعريف يفيد الشمول.
والمشكل الذي يسبب سوء الفهم كالطلاق في إطار الأسرة (المجتمع الصغير) وعلى مستوى المجتمع الذي يطال فيما يطال العلاقات بين الدول حرباً أو سلماً وكما يقال إن الحرب مبدؤها الملاسنة، ولعل من يتابع حول هذه الفكرة ما دار بين العقيد القذافي والملك عبدالله بن عبدالعزيز في مؤتمر قمة مما دفع القذافي أن يبيت النية لاغتيال جلالته، وأرجح أن المشكلات جميعها إنما سببها هو سوء استخدام اللغة، وقد تخير الملوك والأمراء وأصحاب الفخامة معلمين على درجة من فهم اللغة وأبنيتها واستعمالاتها الخاصة والعامة. فذات مرة زار البرمكي ولي نعمته الخليفة الرشيد الذي شكا مرضاً ألم به، وأخذ البرمكي طفله الصغير الذي أخذته الدهشة حينما رأى مسابح القصر وما شاهد من حديقة حيوان وزهور حتى إذا ما ألمت وعكة خاصة بجعفر البرمكي ذهب الخليفة الرشيد ليزوره وأحب الرشيد أن يداعب طفل البرمكي فسأله: "قصر البرمكي أم قصر الخليفة"؟ فقال الطفل: بل قصرنا يا أمير المؤمنين. فعجب الخليفة من الجواب فقال له: لماذا قصر أبيك أفضل من قصر الخليفة؟! فأجاب الطفل: لأنك فيه يا أمير المؤمنين. فأعجب هذا الرد الخليفة وصديقه البرمكي.
إن مما هو متواضع عليه أن اللغة تعاني من غربة وسط هذا الضجيج اللغوي الذي لا يعبر عن شيء عدا فضاء لا ينتهي ومحموم من لغة كادت لا تعبر عن شيء ولا تقول شيئاً، ومن الخطورة بمكان أن طالب الجامعة في مستوى الدراسات الدنيا (البكالوريوس) أو في المستوى الأعلى (ماجستير أو دكتوراه) أصبح أعجمياً فيكاد يكون غريباً على اللغة أو هي غريبة عليه، والسبب في ذلك أن اللغة تبدأ بالتلقين وتنتهي بالتلقين أيضاً، مثلها مثل الدين الذي يبدأ بالتلقين وينتهي بالإرهاب.
وإذ يتعلق الموضوع بضرورة احترام اللغة والمصطلح بخاصة فلا بد أن نضرب المثل لنتبين فوضى المصطلح عند بعض المثقفين، فما هي الماركسية عند الماركسي؟! وما هي البرجوازية عند البرجوازي؟! وما هي الإخوانجية عند الإخواني؟! وما هي ثقافة اليسار؟! وما هي ثقافة اليمين؟!
في الأسبوع الأول سمحت الظروف بالمقيل مع زملاء مثقفين وطرح موضوع تجديد المصطلح، ودار الموضوع، وكالعادة صخب ولغط بين المخزنين وكادوا يتفقون على أن الموضوع جدير بالنقاش، ورحلوه إلى زمن قادم قريب، واستأذنت أن أقوم بكتابة موجز عن الحوار القادم ليقف قارئ "لا" على ما يمكن من الفائدة، فائدة حوار المثقفين "المخزنين".

أترك تعليقاً

التعليقات