فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
يرتبط المسلم بأخيه المسلم من خلال عقيدته الفريدة التي تربطه بالله. وكان الإسلام حاول أن يثبت عقيدة بدونها يذل الإنسان ويشقى، فوحدة الشعائر تؤدي إلى وحدة المشاعر.
ففي شهر رمضان الكريم مع اختلاف الأقاليم وتفارق البلدان يحاول المسلم أن يؤدي هذه الفريضة المحكومة بزمن من حين مطلع الفجر حتى غروب الشمس. كما أنه يظهر امتثاله المطلق لحكم الله الذي له حق التحليل والتحريم وتفصيل، ذلك أن الإنسان في الأيام العادية يطعم ويشرب ويأتي ما أباح الله له من العلاقات الزوجية، أما في رمضان فإنه يحرم عليه أن يطعم ويشرب ويأتي أهله من طلوع الفجر حتى تغيب الشمس، وكأن المسلم يعرف أن «افعل ولا تفعل»، وما نص عليه القرآن الكريم الذي نزل في رمضان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
إنه هو الحكيم الخبير بالرخصة التي تتسامح مع المريض أو المسافر ومن ليس في قدرته الصيام، فمن كان مريضاً أو على سفر فعليه أن يؤدي الصيام في أيام غير رمضان، وأما الذي لا يطيقه فعليه فديةٌ يؤديها، وهي أن يطعم مسكيناً من أوسط ما يطعم به نفسه أو أهله، فمن تطوع في أن يطعم أكثر فهو خيرٌ له.
وقد اختار الإسلام لمن أراد أن يصوم متجاوزا الرخصة أن له كثيراً من الأجر، وهو الصوم {وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}، وقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، معناه أن من علم دخول رمضان فلكياً أو عن طريق معرفة من المعارف الجغرافية أو شهادة أهل الثقة فليصمه.
يخضع المسلم لربه فيتقرب إليه بالصوم فريضةً تخلص فيها الجوارح العمل لله وحده. يؤكد ذلك الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به». معنى ذلك أن الأعمال غير الصوم قد يدخل عند بعض الناس الرياء والتظاهر بالصلاح، أما الصيام فإن الإنسان يجعل من الله وحده الرقيب عليه، فبإمكان الإنسان أن ينجز موانع الصوم من طعام وشراب وغيره في بيته دون أن يعلم به أحد ويخرج إلى الناس متظاهراً بالصوم الذي هو الإمساك بالمعنى اللغوي والمعنى الشرعي.
هناك آداب من لوازم الصوم في رمضان، منها أن يتنازل المسلم عن أنانيته التي قد تكون مشروعة؛ فإذا سبه أحدٌ فليقل له: "إني صائم"، ليتنازل عن حقه المشروع في القرآن الكريم: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم»، وهنا يزداد الإنسان شرفاً ومجداً ويترفع عن أسباب العداوة والبغضاء ليرقى إلى مصاف الملائكة المنزهين عن الكدورات البشرية.
ومن أخلاق المسلم في رمضان الالتفات إلى إخوانه الفقراء الذين ليس لهم غنى يستطيعون بموجبه أن يطعموا ويشربوا وينفقوا على أنفسهم، كالمسلم القادر في رمضان على أداء الزكاة، فيه تطهير للمسلم وسمو بروحه إلى أن يرتاد مقامات عليا يرضى الله بها عنه في الدنيا والآخرة.
رمضان شهر البر والعطاء وتفقد المحرومين من المسلمين، وخاصة الأرحام؛ إذ تلاوة القرآن في رمضان تذكر المسلم بصلة الرحم واعتبار قطعها قطعا للصلة بالله عز وجل، لأن قطع الأرحام كبيرة. كما أن الإسلام يذكر في هذا الشهر أولياء أمور النساء والرجال بإعطاء الحقوق. وللأسف فإن أولياء الأمور والأوصياء على الأيتام والضعفاء يستغلون كسل الدولة وعدم اهتمامها بحقوق النساء والضعفاء فيسرقون حقوقهم ليتعدوا حقوق الله الموجبة للأمانة وحفظها للنساء والرجال على السواء.
فشهر رمضان يذكرنا أيضاً بمناسبات ذوات خطر عظيم تمثل فتوحاً جليلة في الإسلام:
الفتح الأول: انتصار المسلمين في بدر، الذي آذى الله فيه المتكبرين والطغاة ونصر فيها عبادة المستضعفين.
الفتح الثاني: فتح مكة الذي أحكم الله بموجبه سنته، إذ يقول تعالى: «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين»، هذا الفتح الذي ضرب الله به المثل في العفو والمسامحة، ليكون الصفح الجميل سبباً في دخول الناس في دين الله أفواجاً.
أما الفتح الثالث، فيتمثل في ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.
فهنيئاً لمن صام رمضان وأقامه، ورد الحقوق إلى أهلها، وشعر بواجب المسؤولية التي يقتضيها القرآن حينما تضمنت أحكام القرآن واجب أدائها على الإنسان المُكلف حاكماً أو محكوماً.

أترك تعليقاً

التعليقات