فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

قيل إن ثلاثة من زعماء اليمن في العصر الحديث اشتهروا بالذكاء الخارق والنظرة الثاقبة والدهاء الفائق: الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، الرئيس علي عبدالله صالح، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ـ شيخ حاشد. أما الإمام أحمد فقد كان ولي عهد أبيه الذي قتل فيلة بعد أن أمضى جولته في "سواد حزيز"، فتصدى له كمين أطلق عليه الرصاص القاتل (قيل إن القاتل هو الشيخ علي ناصر القردعي)، فلقد عاش مع والده يحيى وتعلم منه التصرف في قرارات مهمة، سياسية ودينية واجتماعية. وكانت هذه الصحبة كافية بعد أن تلقى العلوم الشرعية وعلوم الأدب واللغة في موطن ولادته في شهارة ريف حجة وفي بني حشيش "بيت السيد" أو "السر". وإضافة إلى كونه أديباً فإنه كان شاعراً، وكان في قريتي رجل يحفظ خطبه النثرية، وهي بليغة لا شك، إلا أنه لم يحفل بالشعر، مما يجعل هذا القروي لا يحفظ إلا تخميس رائعة أبي فراس الحمداني: "أراك عصي الدمع شيمتك الصبر"، هذا التخميس الذي يفوق رائعة أبي فراس بلاغة من حيث الفكرة والصياغة والأسلوب.
أخبرني من عاش عهد الإمام أن بعض "المشارعين" الذي لم تنجز قضيته التي ورثها من عصر الاستعمار (الاستخراب) التركي أراد أن تلقى قضيته اهتماماً، قال: سلمت على جلالته بينما كان يستظل كعادته تحت شجرة في منطقة الميدان، محل مدرسة أو مجمع الحاج هائل سعيد الآن، فلما انتهيت من السلام عليه سألني: ما عاد عملتوا في شريعتكم مع أبناء عمكم فلان ابن فلان، فبهت من سؤاله.
أما علي صالح ففي مخزون ذكائه كثير من القصص التي تدل على ذكاء نادر وسرعة بديهة وذاكرة عنيدة. جاءه أو وصل إليه أحد المقاولين وشكا له عدم دفع وزارة المالية بقية المبلغ (3 ملايين ريال)، غير أن أحد حراس فخامته نصح هذا المقاول أن يضيف للمبلغ 3 ملايين ريال أخرى، ليأخذ هذا الحارس مليون ريال أجرة اتصاله بالرئيس، وبعد خمس سنين عاد إلى الرئيس قائلاً له: إن المالية لم تعتمد توجيهاتك يا افندم. فسأله الرئيس: ويش السبب؟ فأجاب: يا افندم يشتوا رشوة، يعني مليون ريال. فقال له الرئيس: أنت لئيم بخيل كذاب، مستحقاتك الفعلية 3 ملايين وكان عليك أن تكتفي بالخمسة الملايين، اغرب عن وجهي!
أما الشيخ عبدالله الأحمر فإنه يسألك حين تسلم عليه: هل مازال فلان ابن فلان...؟! فيذكرك باسمه ومحله وعشيرته وقبيلته!
ومع هذا الذكاء النادر لم يعمل أحد مع شعبه بعض ما يستحق.

أترك تعليقاً

التعليقات