فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

من جديد نحاول قدر الإمكان تظهير عبارة قابلة للتأويل، مثلما هي قابلة للتحديد. ونقصد بالتأويل أن هذه العبارة يمكن أن تكون معرفة تارة ونكرة تارة أخرى، ليناور طرف ضد آخر قدر ما يتوفر لديه من ملكة لغوية وقدرة على اللف والدوران. وقد نذهب بداية لنؤكد ما يمكن أن يقترب من الحقيقة، وهو عدم احترام المنهج في حياتنا كعرب، وأن لغة المجاز أصبحت تعني الشيء وضده بنفس الوقت مما يجعل المصطلح هلامياً يقبل أن يقسم على نفسه وعلى لا شيء بالوقت ذاته. ويذهب المرحوم هيكل في كتابه الأخير "عروش وكروش" إلى أن الأزمة تظل لا تخرجنا إلى طريق ما دامت سيطرة المجاز عادة وعبادة معاً. ولتوضيح هذه الفكرة نقول إن عبارة "متسع للجميع" هي في الأصل لعبة مجازية خرجت عن حقيقة مادية لتصبح مرنة إلى حد الانفلات، سائبة مطاطية، يوظفها القادرون على إنتاج المساجلات الكلامية التي تحقق غايات نفعية ليس إلَّا، بعيداً عما يفهمه العامة من حيث كون عبارة "متسع للجميع" أن يأخذ كل فرد منجله ليغير الأرض عن كونها صحراء قاحلة إلى أرض خضراء تميس أعضائها ذات اليمين وذات الشمال لتذيع الجمال في كل اتجاه. ولما كانت اللغة صنيع الواقع يوجهها كما يريد بحسب الظروف، ظروف الواقع، فإن "متسع للجميع" تعني الحقل الذي يستوعب أكثر من يد لتفلح وتبذر وتحصد، ويستوعب كل يد لتنهب وتسرق دون رقيب وحسيب. وعلى المستوى الدلالي فإن أصحاب العروش والكروش -بحسب هيكل- يجيرون الواقع اللغوي لصالحهم كما هو الواقع الحقيقي، وليصبح الخلط واقعاً حياً تفرضه إمكانات الحكام، ولتكن هنا الأداة الإعلامية كما هي أداة القمع لتوجه اللغة المجازية كما تريد.
إن عبارة "متسع للجميع" أصبحت خارجة عن المنجل، منجل البذر والحصاد، لتحقق منجلاً آخر هو منجل الفساد والإفساد، ولتصبح أرض تهامة مباحة لورقة لا يزيد بياضها على بضعة سنتيمترات معلنة في أول 3 سنتيمترات منها عبارة "الرئيس" والسنتيمتر الأخير يصرف ألف "معاد" للشيخ، للولد أحمد، للتاجر، للأفندم... وهنا على ما سبق من فضول فإن عبارة "متسع" للجميع تعني في ما تعني طعم للتواطؤ على الشعب الكادح الفقير، وعلى وقع هذه العبارة فليتنافس المتنافسون.

أترك تعليقاً

التعليقات