أشباحٌ وسقائف
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا أحد يستطيع أن يفرغ أي ثورةٍ من محتواها إلا إذا تمكن من الانضواء تحت لوائها، فيعمل بعد ذلك على حرف مسارها وخلخلتها من الداخل، من خلال ما يطرحه من أفكار، ويمارسه من أنشطة، ويتبعه من سلوكيات، مع العلم أن كل ما يلتزمه في فكره وعقيدته، ويجسده في حركته نابعٌ مما يختزنه بين جنبيه من كراهية وعداوة ومقت للثورة والثوار، فهو لا يريد للحق أن ينتصر، ولا للعدل أن يسود، لأنه بذلك سيفقد مصالحه وامتيازاته، كما سيفقد كذلك العوامل التي تمكنه من فرض سيطرته وإرادته على الناس من حوله، أما لماذا يفضل هذا الصنف من أعداء الحق والحقيقة التخفي تحت رداء الحركات التحررية والثورات التغييرية؟ فإن ذلك عائدٌ لعدة أسباب منها:
أولاً: لأنه يخشى المواجهة الصريحة مع الثورة وجماهيرها، وخصوصاً بعد ما لحق بكافة القوى الممثلة للجبهة المضادّة من نكسات وهزائم في مختلف ميادين الصراع، ولذلك أدرك هؤلاء أن إعلانهم للعداوة الصريحة للثورة، واتخاذ مواقف تبعاً لما يقتضيه ذلك الإعلان، لن يكون إلا لونا من ألوان استعجال الموت، وبابا من أبواب الانتحار.
ثانياً: إن لكلٍ من أهل الحق والباطل نماذجَ وقدواتٍ عبر التاريخ، وقد أثبتت التجارب ولاسيما في التاريخ الإسلامي أن بإمكان الباطل التغلب على الحق، وذلك بدخول حملته ضمن صف الحق، مع احتفاظهم بكل سماتهم الشخصية ومقوماتهم الفكرية المطبوعة بطابع الكفر والجحود، والقائمة على أساس الكبر والغرور، وعبادة المال والثروة، وتقديس الجاه والمنصب، وتوظيف كل شيء لتعزيز العصبية القبلية، ثم مع مرور الوقت لن يظل هؤلاء معزولين عن الوسط التغييري والثوري، ومحصورين في نطاق معين بحيث يسهل تمييزهم، وبالتالي الحذر منهم بالمستوى الذي يدفع التغييريين لتوفير متطلبات الوقاية من كل آثار شرورهم الخبيثة التي ستقلب كل شيء رأساً على عقب، إذ ستتوسع دائرة نفوذهم وتأثيرهم أكثر فأكثر، لأن في الوسط التغييري مَن لايزال محتفظاً بكل رواسب الماضي الفكرية والشعورية، والتي سرعان ما ستعود إلى الواجهة من جديد، نتيجة ما قد يطرأ على الساحة من أحداث ستفرض تحالفات جديدة بين المحتفظين برواسب الماضي، وبين الداخلين في صف التغييريين بغرض القضاء عليهم، وهكذا يتم الانقلاب على كل شيء ليصبح الأمر موكولاً إلى ما تقرره السقائف، حتى وإن أدى ذلك إلى مخالفة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

أترك تعليقاً

التعليقات