المسؤولية دافع وسلوك
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم تركز أي نظرية من النظريات الفلسفية أو ثقافة من الثقافات على قضية المسؤولية كما ركز عليها القرآن الكريم، فالله تعالى خلق الإنسان وبين له سبل الهداية وحثه عليها، كما بين له سبحانه، طريق الخسران والضلالة وحذره من الوقوع في مسالكها، وعليه أن يختار طريقه بنفسه، بناءً على ما تقرره إرادته الحرة، ويقتنع به عقله، وعليه أن يدرك أن هناك نتائجَ مترتبة على ما سيختاره بملء إرادته على مستوى مسيرته وواقعه في الحياة الدنيا وعلى مستوى الحياة الأبدية التي سيتقرر فيها مصيره النهائي، الذي يصنعه هو هنا في هذه الحياة من خلال ما يقوم به من أعمال ويقفه من مواقف ويقتنع به من أفكار، ويتبناه من خطط وبرامج وينتمي إليه من خط أو حزب أو حركة أو جماعة أو مذهب، إذ المسؤولية في كل ذلك ستقع عليه وحده، لأن منتهى كل زروع حياته لن تنتج سوى ثمرتين فإما جنة أو نار.
وهكذا نجد أن توفر الحرية شرطٌ أساسيٌ للقيام بأي مهمة تتعلق بالمسؤولية، ونعني بالحرية تلك القيمة المعبرة عن الفطرة السليمة والخالصة والفكر اليقظ، الّلذين يدفعان بصاحبهما إلى التزام منهج الله سبحانه، لينطلق من الوعي بمقتضى العبودية له كي يتحسس موقعه من هذا الكون بكله وموقع الكون منه، باعتبار كل ما في الوجود يقع في إطار مسؤوليته، لذلك فهو يعيش الاهتمام بكل ما حوله، وكلما جدّ في الحياة جديدٌ أو طرأ على الواقع طارئٌ اتجه ليبحث عن النقطة التي لا بد أن يتحرك منها ليقدم ما تفرضه عليه مسؤوليته، ويقتضيه واجبه كخليفة من الله على هذه الأرض، وبالتالي فهو يتمثل الإيجابية كسلوك تنطبع به نفسه وكعنوان لجميع نشاطاته وأعماله، لأن الدافع في كل ما يقوله وما يعمله نابعٌ من الداخل، وليس مفروضاً عليه من خارج ذاته.
من هنا يتحدد لنا الفرق بين نوعين من الناس، نوعٌ إيجابيُ السلوك قادرٌ على العطاء والإنجاز، بفعل دوافعه المنطلقة من دواخل ذاته، ونوعٌ سلبيُ السلوك، عاجزٌ عن إنجاز شيء ناهيك عن أن يقوم بإضافة أي معنى يعبر من خلاله عن وجوده ككائن حي وليس كإنسان، بفعل محركاته النابعة من الخارج والتي تتوزع ما بين الضغط أو الخوف أو الإكراه، فهو عديم الوعي بعيد عن الحرية مسلوب الإرادة، ووجوده في ساحة الحياة والمسؤولية عبث.
وقد يكون الدافع لإنسان ما سليما ويتحرك بإيجابية في تحمل المسؤولية، ولكنه لا يملك الخبرة والمعرفة التي تمكنه من القيام بدوره كاملاً لأن ميدانه العملي لم يختره هو بنفسه وإنما اختاره له الآخرون، وهذا ما يجب الالتفات إليه من قبل المعنيين، فالتعيينات في كل ميادين المسؤولية لا بد أن تقوم على مراعاة اختلاف اهتمامات وخبرات المعينين وميولهم، فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له، كما أن الخلل في أي مقدمة للعمل سيتسبب بالخلل على مستوى النتيجة المرجوة بشكل عام.
وأخيراً، صحيح أن الوعظ والإرشاد للناس في ما يتعلق بالمسؤولية مهمٌ ومطلوب، لكنه لا يكفي لإيجاد وعي يبني رجال مسؤولية، إذ لا بد أن يترافق ذلك مع إدخال المسؤولية في الجانب التعليمي والتربوي كمادة يتعلمها الطفل في مدرسته ويتربى عليها، لتكون جزءاً أساسياً من ذاته وكيانه وسلوكه الشخصي في المستقبل.

أترك تعليقاً

التعليقات