مدرسة الشهادة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يحاول المنافقون وعديمو الشرف النيل من رجالات الحق، ورموز الدفاع عن القضية والدين والإنسان، فكلما ارتقى أحد قادة المقاومة شهيداً ظهر هؤلاء بمظهر المستبشر الشامت، وكأن حصول قائد من قادة المقاومة على شرف الشهادة يعني موت القضية، وزوال الحق!
لأن هؤلاء المنحطين لا يعلمون أن للشهادة تأثيراً في الفرد والأمة، من جراء الموت الذي يعقبه التأثر والحزن واستذكار مآثر الفقيد؛ إذ عندما يستشهد الإنسان يُعتبر الشاهد على عدالة القضية، وعلى إزالة الانحراف والباطل في محكمة التاريخ والواقع، فيبقى عنوان شهادته ومضمونها حاضراً في النفوس والعقول. لأن الشهيد رمز للحق يبقى ماثلاً في القلوب، بفعل هذا التأثير الذي يتركه فيحرك نفوس الناس القريبين منه والبعيدين، ويدفعهم إلى معرفة عنوان شهادته وهدفها. وبفعل التعاطي الرحمي الذي يربط ذاك الإنسان بالشهيد، يندفع من أجل الوقوف مع نهج الشهيد وخطه لأجل أن يكون وفياً لدمه.
إن خط الشهادة خط أصيل قدسه الشرفاء بدمائهم، وعلموا الأجيال المقبلة كيفية الجهاد والتضحية وانتشر عبير الشهادة في النفوس، ليبث فيها الروح الثورية والانطلاق نحو الحق، فكانت الشهادة المدرسة التي تغلبت على كل المدارس الوضعية في مجال ترسيخ العلوم فالتعليم الحديث كما نعلم يستخدم وسائل الإيضاح السمعية والبصرية، ليكون مثمراً وفعالاً. فما بالك بالشهادة التي يبذل الإنسان المجاهد دمه كوسيلة إيضاح للتعليم الفعلي على كيفية الدفاع عن الحق؟! وكيف إذا كانت الوسائل السمعية هي دوي انفجار جسد الشهيد في أعدائه قرباناً إلى الله تعالى؟ فهل تبقى أذن لا تسمع وعقول لا تستوعب الموقف ولا تتأثر به؟! هذا ما لا يُصدق، خاصة وأن التعليم يثبت جدارته عندما يفعل المعلم ما يقول.
وهكذا كان للشهادة هذه المرتبة العظيمة بين المدارس التي بناها الإسلام، لكي ينقذ الأمة من الظلم والاستعباد والجهل والانحراف والفساد، وبتلك الدماء التي تبذل من أبطال المقاومة الإسلامية كل يوم يتغير الواقع، وتأخذ الأمة الزخم المعنوي لاستعادة كل الكرامات والمقدسات، وتكثر التضحيات وتندفع الأجيال نحو الجهاد لتقضي على الظلم والفساد والانحراف.
لقد علموا الناس والعالم أجمع كيف تكون النهضة الحقة، وكيف تكون العزة بالقول والعمل. على هذا الأساس كان للشهادة وقع خاص في هذه الأمة الخيرة، التي تعطي للخط معنى، وللمسير هدفاً، وهي الطريق إلى الله الذي يرضاه لصفوة من عباده المخلصين، لأنها الطريق المصفى من الشوائب الشيطانية، وعندما يتحرك خط الشهادة ضمن خط العمل في سبيل الله، يصبح للخط نور ويصبح للعاملين وهج، وتستنهض الأمة من مهاوي الذل والهوان إلى بيادر العزة والكرامة. وهنا أتذكر قول شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب (رض): «دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط، وإذا سقط بيد الله فإنه ينمو ويكبر»... فعلاً إنه ينمو ويكبر.. ينمو باتجاه الأمة، ويُذخر ويكبر باستنهاضها، ذلك أنه العامل الأقوى في إرشاد الأمة نحو الحق والعدل والخير، وفي تحريك القدرات نحو الحقيقة الساطعة والنهوض من الاستكانة والمهانة. فالشهادة هي المحرك الذي يزيد العاملين تعلقاً بخط الرسالة وتطبيق أحكامها، لتكون فعلاً خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وترتقي إلى أعلى الدرجات. هذه المكانة للشهادة وهذه القدسية لكيانها، وهذه العظمة لمفرداتها، كرم من اللطيف الخبير فكيف لا يكون لها تأثير في استنهاض الأمة وقد بدا هذا السيل الجارف من الدماء بسمية أول شهيدة في الإسلام وامتد إلى آخر شهيد من شهداء المقاومة الإسلامية حتى يومنا هذا وسيبقى بعده مصداقاً لقوله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا».
إن هؤلاء الشهداء سينزعون بدمائهم كل الأقنعة المزيفة لأعداء الإسلام، وستنزع الغشاوة عن أعين الأمة جمعاء، وعن العاملين في هذه المرحلة على تحرير القدس، حيث سينهمر هذا الدم ليكون فكراً ومنارة، وليرسخ مبدأ اختطه المجاهدون والشهداء الذين اختارهم الله ليكونوا العنوان لهذه الأمة.

أترك تعليقاً

التعليقات