مَن يبعثنا من هذا الموات؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
بعض الناس يحاولون دائماً أن يسقطوا القضايا الكبرى، من خلال حديثهم عن مفردات المآسي التي تُنتجها القضايا الكبرى، ففي ذروة التوحش الصهيوني والاستكباري في إبادة الشعب الفلسطيني، في غزة المذبوحة على مرأى ومسمع العالم، ستجدهم يحدِّثونك عن ضرورة الابتعاد عن الصراع وهو مفروض عليك. فهم لا يعون أن لا حياديّة بين الحقّ والباطل، وليسوا من مَن يعرفون علياً، ناهيك عن أن يعرفوا أتباع مدرسته! فعليٌّ (عليه السلام) لا يريد للإنسان أن يكون حيادياً، عندما تكون المعركة معركة الحقّ والباطل.
والحياديّون بين الحقّ والباطل يخونون إنسانيّتهم، ويخونون الحياة ويسقطونها. إنَّه يتحدّث عن هؤلاء الذين يبتعدون عن السّاحة حتّى لا تتحرَّك نحوهم شرارات السّاحة، قال وهو يحدّث بعض الناس عن بعض مَن اعتزلوا القتال في معاركه، قال (عليه السلام): «إنَّ سعيداً وعبدالله لم ينصرا الباطل ولكنهما خذلا الحق». والباطل لا يقوى بأتباعه فقط ولكنّه يقوى بالحياديّين الذين يؤمنون بالحقّ ولكنّهم لا يتحمّلون مسؤوليّته. وهذا هو الذي تمثّله الكلمة التي استهلكناها «الأكثرية الصامتة».
ويحدّثنا الإمام (عليه السلام) عن نتائج هذه المواقف المتخاذلة: «أيُّها الناس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم مَنْ ليس مثلكم، ولم يقوَ مَن قوي عليكم. لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري ليُضْعِفنَّ لكم التيه من بعدي أضعافاً، بما خلَّفتم الحقّ وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى، ووصلتم الأبعد».
إنَّ الإنسان الذي لا يشارك في أيّ موقع من مواقع الصراع، التي تمثّل القضايا الكبرى في الحياة، هو إنسان ميّت يتنفَّس.. وميّت يتحرَّك، لأنَّ قضية أن تموت، ليس أن يموت جسدك، ولكن قضية أن تموت أن يموت دورك، ألا يكون لك غنى في الحياة، وهذا ما ينبغي لنا أن نفكِّر فيه.
إن مواتنا هذا المخيف كعرب ومسلمين لن يبعثنا منه سوى المثقف الحركي. والمثقف الحركي هو الإنسان المفكر المنفتح على المعرفة ومجتمعها والمخاطب للجمهور والمتطلع للواجب والمتحرك في عمق الواقع والملاحق للنكسات والمنظف للوعي من أغبرة التخلف والاستغراق في الماضي والتحسر على الأطلال، المثقف الحركي ببساطة هو الفرد الذي يعطي للمجتمع من عقله وقلبه وقوته، هو ذلك الإنسان الذي يطلق الفكرة بين الجماهير بكل أدواتها الفنية والجمالية ويتابع وظيفتها بكل رزانة وحكمة لتصبغ أفراد الجمهور بوعي جديد ورؤية خلاقة تحاكي العقل الجمعي بفلسفة الواجب والممكن المبسطة والقابلة للتوظيف في عمق الواقع.
المثقف الحركي هو ذلك الرمز المتواضع للجمهور بنباهته والملقن لبطولته بلا عجب أو زهو جنوني والمتصدي للتخلف بحزم والمراقب لفرص التنمية والتطور والباحث عن مواطن الخلل بجد واجتهاد، يزن نفسه عند كل خطوة ويقدر الأمور بروية ولا يحتقر العامة، حركيته في الاجتماع العام كحركة الطبيب والمهندس والمعلم والفقيه والمجاهد في حياة الناس، هو كل الناس المؤمنة بالتجديد والتي تتنفس المعرفة والأخلاق كما تتنفس الهواء وتعيش الحرية في عمق مسؤولية العمل وإتقانه.. إنه عنوان المنعطف الحضاري المرتجى وغاية آمال الشعوب المقهورة والأمم العليلة بأمراض فقر الدم الثقافي والإيدز السياسي والغبن الاقتصادي.

أترك تعليقاً

التعليقات