ذاك مثال فقط
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد كانت كتابات المؤرخين المسلمين ولاتزال شاهدة على أن تاريخنا حافلٌ بشتى أنواع الطبقية المشينة، ولم تجد المؤرخين منشغلين بالدفاع عن أي قيمة أو شعيرة أو قضية كما يدافعون عن الأمراء ضد الفقراء، والسلاطين ضد الدهماء، فالتاريخ دائماً ما يُكتب من وجهة نظر المنتصر، أو بالأحرى من وجهة نظر السلطة، ولا يتوقف الأمر على الدفاع، فقد كان التمييز واضحاً في العطاء المالي من بيت مال المسلمين، منذ وفاة النبي (ص)، فقد أعطى الخلفاء من بعده الأغنياء حتى أتخموا من الوفرة، ومنعوا المال عن الضعفاء، فزادوهم مسغبة.
على كل حال لو حددنا لقلنا: إن الجماعة القرشية، هي البرجوازية التي أخذت المال حتى أُتخمت، وعاش المسلمون في بطالة خطيرة، تنتظر كل يوم ما يأتيهم من غنائم من الحروب التي لا تنتهي، وهذه أمور نقدمها للقارئ كنموذج للتمييز الطبقي الشائن.
ولقد ظلم المؤرخون أنفسهم وظلمونا عندما قالوا: إن الرسول (ص) أعطى رؤساء قريش كل واحد منهم مائة من الإبل طمعاً في إسلامهم وتأليفاً لقلوبهم، ولم يعط الفقراء ولا الأنصار شيئاً، كما لو كان النبي (وحاشاه من ذلك)، يعطي قادة الكفر القرشي رشوة لدخول الإسلام، وهو أمر نرفضه من الرواة، ولو جعلوا له أسانيد مهما كانت قوتها.
لقد جعل المؤرخون من الفقر واختلاف العرق وخمول الذكر علامة على نزع الإيمان، ونضرب مثلا بذلك في وحشي بن حرب الحبشي قاتل حمزة بن عبدالمطلب عم النبي في موقعة أحد، بتحريض مباشر من هند بنت عتبة زوج أبي سفيان زعيم قريش، أميرة وعبد، غنية وفقير، هذا كان يطلب الحرية والمال، وتلك كانت تريد الدم والانتقام فقط.
أسلم الاثنان بعد فتح مكة، هند كما تقول كتب التاريخ إن النبي هش لها وابتسم رغم مراجعاتها المتكررة له.
أمّا وحشي، فقد زعم الرواة أن النبي عفا عنه، ولكن طلب منه عدم رؤيته في أي مكان... في المسجد أو في الشارع، وهو أمر لا يمكن صدوره عن النبي المعصوم خلقاً وفكراً.
وهذا التمييز الطبقي، جاء لأن هند صارت أمّا لخليفة، وظل وحشي أشبه بالعبد رغم حريته المفقودة، وشتان ما بين الموقفين عند الحكّام والسلاطين والمؤرخين على السواء.

أترك تعليقاً

التعليقات