مخاطبة الضمائر
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هزتني اليوم كلماتٌ حملت في طياتها كل معاني الصدق واشتملت على كل مقومات الحق، كلمات سماها صاحبها الدكتور حمود الأهنومي تذكرة بجميع الضمائر، ولكن يا دكتور اعذرني إن قادني جهلي إلى القول: هل لدى جميع الضمائر المتبعة في أساليب الخطاب في لغتنا الشاعرة القدرةُ على مخاطبةِ ضمائرَ أمكن منها الموت، فخيم على أصحابها العدم، بحيث باتت السلبية رأسمالهم الوحيد ولسان حالهم البين والمشهود؟
لن يجدَ الدكتور الأهنومي بداً من قول الحقيقة التي اعتادها الساسة كلما فجعنا بفقدان مفكرٍ أو مثقف أو أديب، ولكنه يتطرق إلى هذه الحقيقة تطرق الرافض لها المعارض لاستمراريتها بالشكل الذي يدعو إلى تدارك ما يمكن تداركه بهذا الخصوص، فلدينا اليوم واحدٌ من رواد الكلمة ورمز من رموز الإعلام المواجه للعدوان والفاضح لكل أكاذيبه، الكاشف لزيفه، الساعي لتعزيز الوعي، والعامل على نشر الحق وتعميمه، قابعٌ في فراش المرض مستسلمٌ للموت بعد أن أغلقت دونه أبواب المعنيين وجهلوه على الرغم من حضوره الكثيف والمميز في عقول وعيون وأسماع المسؤولين الذين سيتذكرونه بعد فوات الأوان، كما سبق أن حصل مع الذين قضوا من حملة مشعل التنوير وصناع الرأي ورجال الكلمة الذين لم تجر أسماؤهم على لسان مسؤولينا إلا بعد أن أصبحوا جثثاً، حينها فقط يذكرونهم ويذكّرون بأدوارهم وما قاموا به.
لقد جهل المعنيون عبدالفتاح حيدرة وتجاهلوا دوره وضربوا صفحاً وسيضربون عنه وعن أمثاله لسبب بسيط هو أنه كان يكتب في سبيل القضية ويعمل على خدمة النهج، ولم يسخر قلمه ولسانه لخدمة شخص أو تلميع فرد أو جهة على حساب الحقيقة.
إن مشكلة عبدالفتاح حيدرة وأمثاله هي أنهم بنوا أنفسهم وتحركوا بوازع ديني ودافع إنساني وأخلاقي، ولم يكونوا مرتبطين بشلة تحميهم وترفع من قدرهم وتعمل على تلبية كل متطلباتهم وتوفير كل احتياجاتهم، وتحرص على تعيينهم في مراكز متقدمة وتبذل كل ما بوسعها لتوليتهم مناصب مهمة، وتوجه القنوات باعتمادهم كمحللين وخبراء، وتسوق لهم كمفكرين أفذاذ، لهذا لا بد من دفع ثمن ما التزموه كفكر وساروا عليه من خط، ومارسوه كأسلوب، إذ لم يرضوا بغار دمستنس ولم يقتفوا آثار أبي هريرة، بل ساروا بسيرة الإمام علي وحملوا روح أبي ذر، فعاشوا الفقر والفاقة، وعانوا من التهميش والغربة، فلم يقوموا بقطع آذانهم في مدينة الإعلام التي لا تحب سوى ذوي الأذن الواحدة، ولم يقوموا باقتلاع إحدى عينيهم في ساحة لم تعد تقبل إلا بأصحاب العين الواحدة.
ليتني أستطيع أن أجد البردوني لكي أقول له: إن الربذات الأربع اللواتي أضفن إلى ربذة أبي ذر قد صرن عشراً وعشرين ومائة وألفاً، ومع هذا سيبقى أبو ذر شاهداً وشهيداً.

أترك تعليقاً

التعليقات