أمةٌ بين إسلامين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قد يقول قائل: لقد كان الإسلام موجوداً في جميع مراحل الحياة، وعلى امتداد قرون، فلماذا لم يستطع فعل شيء ولاسيما خلال الأربعة القرون الماضية؟
والجواب: إن الإسلام الذي شهد تراجع المسلمين العلمي والأخلاقي، وعاصر سقوطهم الحضاري لم يكن هو إسلام محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة وأتم التسليم، وإنما كان عبارة عن جسد خاوٍ بلا روح، ليس في طقوسه أو تعاليمه ما يرشدك إلى معرفة الرسول، أو يعطيك تصورا صحيحا عن طبيعة الرسالة ومضامينها، إذ بدا لنا أن هناك ثقافة قدمت الرسول بخلاف حقيقته، وجرمت كل المساعي التي تستهدف تركيز الإيمان به، وحاربت كل المظاهر الموحية بتعظيمه ومحبته ونصرته، وعمدت لفصل الأمة عن النور الذي جاء به، فكان كل ما وقع على المسلمين هو النتاج الطبيعي لهذه الثقافة التي ضربتنا من الداخل قبل أن يعمل أعداؤنا على ضربنا من الخارج.
ولكننا اليوم مطالبون بإيجاد ثقافة أخرى، نرى من خلالها عظمة هذا الدين، ونلمس في سياق حركة الزمن آثارها الطيبة التي ملأت النفوس بمحبة نبي الرحمة، وعززت الإيمان به في بنيتها، ووضحت لها مستوى عظمته، وعلو مقامه، وفتحت لها سبل تحقيق الاهتداء به، والاقتفاء لأثره، والاتباع للنور الذي أُنزل إليه، الأمر الذي سيجعل فلاحها حقيقةً ملموسة في واقعها، كنتيجة طبيعية لما تمثلته في حركتها والتزاماتها على كل صعيد.
لذلك يجب أن نعلم أن كل حركةٍ رساليةٍ قامت بثورة اجتماعية، وهدفت إلى تغيير الواقع وإصلاحه، وفق ما يقرره مبدأ التوحيد لله تعالى، الذي يخلق وحدة في النفوس والتصورات لمعتنقيه، عن الإنسان والعالم الكوني كله، باعتبار الجميع داخلين في مالكية الله ومربوبين له، لن يستطيع العدو الظاهري هزيمتها مهما كانت قوته، وأياً كان مستوى نفوذه، ومهما بلغت قدرته على فرض سيطرته على المجتمع، ومدى تمكنه من عزل الرساليين عن الغير، بتكوين تصور ذهني لديهم مغاير لما عليه الرساليون في دعوتهم، وما يهدفون إليه في تحركهم وجهادهم، وهذا ما نراه واضحاً بانتصار الإسلام على الشرك بكامل قواه وتشكيلاته، بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله، الأمر الذي دفع المشركين للدخول في الإسلام، وما هي إلا قرابة عشرين عاما على وفاة النبي الأكرم حتى عادوا من جديد لفرض تصورهم على الناس ولكن هذه المرة قد ألبسوا شركهم وجاهليتهم لبوساً دينية، ولم تعد حركتهم الظاهرية تدعو لعبادة اللات والعزى وغيرها، بل صارت باسم الله ورسوله، فمعاوية مثلاً في صفين لم يقل هو وجيشه اعلُ هبل، وإنما بادر لرفع المصاحف على أسنة الرماح، مما أدى في نهاية المطاف إلى إفشال حركة الإمام علي عليه السلام، ولم يكن ذلك إلا نتيجة التمكن القرشي من التخفي بالدين، ليسهل عليهم بعد ذلك الانقلاب عليه من داخله، بينما لو كان شركهم ظاهرا كما كان ذلك مع النبي، لتم القضاء عليهم.
من هنا يتبين: أن قول البعض عن سبب فشل الحركة العلوية في إقامة المجتمع المسلم الحق والنموذج الكامل كان بسبب رفض الإمام لمهادنة الباطل، وشدة صراحته بالحق ليس صحيحاً، إذ كان ذلك أيضاً في رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن الصحيح هو: اختلاف التيارين الممثلين لدين الشرك في المرحلتين، وهذا هو الخطر الذي لايزال محدقاً بنا، ويزداد تنامياً يوماً إثر يوم، مستغلاً شدة غفلتنا عنه، وانشغالنا بما سواه.

أترك تعليقاً

التعليقات