مَن هو ابن السوداء؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة نزوع لدى كثير من المسلمين إلى تفسير كل ما هم فيه من ضياع وضعف وفرقة وانعدام وزن بالشكل الذي يقيهم من اكتشاف الحق والحقيقة، ومعرفة الباطل ورموزه، وإدراك مكامن ونقاط وعوامل الخلل، وهو نزوعٌ متوارث عبر العصور، فنحن واجدون في تاريخنا أن كل مصائب الأمة ورزاياها وكل منقصة حلت بها ما هي إلا نتيجة وجود شخصية وهمية، اختلقها مؤرخو البلاط، وعلماء السلاطين، إذ زعم كثير من كتاب التاريخ أن هذه الشخصية هي السبب الأول في الفتنة الكبرى وما تلاها من فتن، وظلت راسخة في العقل العربي ووجدانه وميراثه وتراثه، شخصية عبدالله بن سبأ، فقد روى الطبري وابن الأثير وابن كثير وغيرهم أن ابن سبأ هو المسبب للفتنة الكبرى، وأنه الذي أشعل حرب الجمل بين أم المؤمنين عائشة وبين علي بن أبي طالب (ع)، بعد أن كادا يتفقان على الصلح.
ثم يزيدك هؤلاء المرتزقة إدهاشاً عندما يقولون: إنه كان يهوديا! إذن هو صهيوني قديم تخفّى في ثوب الإسلام، ووضع مصطلحات الرجعة والبداء والوصاية، وقالوا إنه أثّر في فكر بعض كبار الصحابة. فيا ترى مَن هم هؤلاء الصحابة من وجهة نظر هؤلاء العسس وحاطبي الليل؟
لا شك ولا ريب أنهم يعرضون بالخلص من المؤمنين الذين ثاروا على عثمان، ووقفوا بوجه الإقطاع القرشي، والدليل، أن هؤلاء المؤرخين اعتبروا الأنصار هم السبأيين، أو اليمنيين كافة، فلا تكاد كتب التاريخ تخلو من الروايات التي دائماً يقولون: قام السبئيون وتخفّى السبئيون، ولكن ابن سبأ نفسه لم يكن سوى غطاء لا غير.
أما ما يزيد الفكرة وضوحاً وعمقاً هو أن المؤرخين أطلقوا عليه ابن السوداء، فما شأن أمه، سوداء أو بيضاء، ثم نساء كثيرات سوداوات، مثل سمية وثويبة وبركة أم أيمن، وغيرهن، وياسر وعمار كانا من السود، وهذا ليس دفاعًا عن شخص ابن سبأ، بقدر ما هو توضيح أن كتّاب السير والمؤرخين لم يكونوا يعرفون أنه لا فرق في الثقافة ولا في الدين بسبب لون الوجه، ثم وصفه بابن السوداء يزيد الغموض غموضًا، اسمه ابن سبأ أي منسوب لقبيلة، دعونا من كون لون بشرة أمه سوداء، وهو الأمر الذي حدا بكثير من المؤرخين أن يشككوا  في وجود شخصية ابن سبأ كلها، نذكر منهم:
الأول: الدكتور طه حسين، حيث قال: «وأقلّ ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفاً منحولاً، قد اخترع بآخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية... ولو قد كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقّدة المعضلة التي كانت بصفّين... ولكنّا لا نرى لابن السوداء ذكراً في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال؟ أو كيف يمكن أن نعلّل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين، وعن نشأة حزب المحكمة (الخوارج)؟ والحق أن ابن السوداء لم يكن إلّا وهما، وإن وُجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوّره المؤرخون، وصوّروا نشاطه أيام عثمان وفي العام الأول من خلافة عليّ».
والثاني: السيد مرتضى العسكري في كتابه «عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى» الذي فنّد الأسطورة السبئية بالكلية.
والثالث: هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي الذي قال في كتابه «الصلة بين التصوف والتشيع»: «إن ابن سبأ ما هو إلا عمار بن ياسر، فهو يمني وأمه كانت سوداء، ولكن ونظراً لقداسة عمار في نفوس المسلمين، وأنه كان أكبر الثائرين على عثمان، فقد خلقوا له شخصية ابن سبأ الوهمية».
ومع ذلك مازال يوجد من المسلمين من يعتقدون بوجود ابن سبأ وأنه مؤسس الفكر الشيعي، وأنه يهودي مثقف كبير أخذ بكافة الفلسفات اليهودية والمسيحية والإسلامية، وتمكن من قلب الرسالة المحمدية رأساً على عقب.

أترك تعليقاً

التعليقات