عملنا الفكري والحلقة المفقودة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عندما تجد نفسك مكلفاً بحمل مشعل التنوير والتوعية وتصحيح الأفكار والمفاهيم، في وسط مجتمعي عبثت به أيادي المستبدين، وأنهكته سياسات التجهيل والإفقار، وفرقته الانتماءات الضيقة شيعاً وأحزاباً وقبائل متناحرة متباعدة، وتناوبت على السيطرة على عقله وأرضه كل قوى الهيمنة والاستعمار، وتعرض خلال أكثر من نصف قرن لهزات قوية، وضربات متتابعة، قوضت كل مبانيه وأسواره وحصونه الفكرية والنفسية والاجتماعية والدينية والسياسية، وبات فاقداً للثقة بكل ما يسمع ويرى، شاكاً بكل ما ومَن حوله، ساخراً من أي محاولة للإصلاح والتغيير، غير متحمس لفعل شيء لإنجاح المشروع الثوري، وتثبيت دعائم ما أوجدته الطليعة الواعية من منهاج تحرري، والتزام ما اختطه الصادقون بدمائهم من مواقف كانت هي العنوان الذي يعبر عن طبيعة الممارسة العملية، النابعة من واقع القناعة، والمؤكدة لمقتضى الاستقامة من خلال السلوكيات والأخلاقيات في التعامل مع الناس، فمن الطبيعي أن تتساءل:
لماذا يستطيع حدث كروي أن يحرك أكبر قدر من الناس، بين مؤيدٍ ومشجع ومناصر لهذا الفريق، ومعارضٍ ومعادٍ وكارهٍ للفريق الآخر؟! والأمر في ذلك قطعاً ليس مقتصراً على المهتمين بالرياضة، أو المعجبين بها وهواتها، والمتعاملين معها من منظور فني أو إنساني، بل إنه يشمل الجميع، فقد تجد الكثير ممَّن لا حس لوجودهم على قيد الحياة طوال العام، ومهما حدثت من أحداث، ونشأت من متغيرات، وحصلت من جرائم وكوارث، واستجدت من قضايا، فلا يحركون ساكناً، إلى أن يأتي كأس العالم، أو سواه تراهم حاضرين متحفزين نشيطين، يتابعون، يحللون، ويناقشون، يخاصمون، ويجادلون، ويناكفون، يفرحون، ويحزنون ويتألمون، بينما لا تستطيع أنت أن تكسب كل هؤلاء إلى صفك، وتتمكن من جعلهم يتحولون إلى عامل قوة يدعم موقفك، ويساند قضيتك العادلة، وخصوصاً أن لديك من الحقائق ما تستطيع بها مخاطبة وإقناع العقول، ولديك من المظلوميات والمآسي ما يجعلك قادراً على تحريك الصخور الصماء، وإيقاظ الضمائر الغافلة؛ فأين يكمن الخلل بالضبط؟! وما الذي يجب فعله لتفاديه وجبر كل ما سببه من كسور وكوارث ونكبات؟!
ربما، لأنك اكتفيت بأدوات ووسائل وأساليب وأنواع الخطاب الموجه عادةً للمحب والمناصر والمتبع الموالي، ولم تعمل على تطوير كل تلك المقومات، مع تجديد وتوسيع مضامين الخطاب حتى تستهدف بما تقدمه من فكر الجميع، وربما بات نشاطك منطلقاً من واقع الإحساس بإسقاط واجب، ولم يعد معبراً عن حملك للرسالة كهم يومي، وعنوان للحياة، ومعنى في الذات والروح، وأصل في العقيدة، وربما وجدت نفسك في برج عاجي، لا تطيق النزول منه ومغادرته، وربما صرت مشمولاً بمصطلح: الوضع المزري، الذي بات أداة تعريف لكل جهات النكرة في الحكومة ومؤسسات العمل الرسمي الداخلة ضمن مسؤوليتها.
إن لدى الشهيد القائد رضوان الله عليه قواعد واستنتاجات مهمة، لكل مَن يعملون على تثقيف الناس وإرشادهم وهدايتهم، نحن اليوم بأمس الحاجة لمراجعة وتقييم أعمالنا على ضوئها، من ذلك مثلاً: أنه لا يكفي في قيامك بإقناع الآخرين بالحق عرضه عليهم جامداً، خالياً من المعاني الوجدانية ذات التأثير العميق، والأسلوب الجذاب، وهذه هي الحلقة المفقودة اليوم؛ إذ جعلنا الحق عاجزاً، بإسناد مهمة تقديمه للآخرين إلى العجزة، والمعقدين، والمنطلقين في عملهم ونظرتهم من منطلق مذهبي، والجاعلين من التراث الفقهي أُفُقهم في الحكم والبيان والتربية والحركة والسياسة والاجتماع، ولم يلتفتوا لآفاق القرآن، إلا بالقدر الذي يحد من نفوذها، ويمحو آثارها في الواقع وفي النفوس قبل ذلك.

أترك تعليقاً

التعليقات