سميفع صفحة عار تم طيها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وقفنا في ما سبق عند النقطة التي وصل عبرها بلاط معاوية إلى الذروة في الانتقام من تاريخ اليمن؛ إذ صار أبرهة المحرر لليمن من الاحتلال الحبشي؛ مجرد عبد خالف سيده النجاشي، واستولى على الحكم، وقام بعدها بتجييش الجيوش لهدم الكعبة، والعجيب أنهم يجعلون قيامه بذلك الأمر يحظى بدعم ومباركة بيزنطة والحبشة! هنا تم تبييض صفحة بني أمية وبني مخزوم، القبيلتين المنوفيزيتين من جريمة هدم الكعبة التي ارتكبتاها، بمشاركة ودعم وإسناد لا حد له من قبل روما والحبشة. ويصير المدان هنا هو الشخص الذي ثار على هذه المنظومة الطويلة العريضة، ولم يبق سوى السعي لإفراغ أهم حدث تاريخي شهدته اليمن، وهو التحرر من الاحتلال الحبشي، وإسقاط مجلس المثامنة العميل، الذي كان على رأسه سميفع أشوع، ذلك الخائن، الذي لا بد من تخليصه من وصمة العار التي لحقت به، وفي المقابل سلب أبرهة الحميري ذلك المجد والشرف اللذين بلغهما، وإذن ينبغي اختراع شخصية وهمية ينسب إليها ذلك المجد والشرف، فكانت تلك الشخصية هي سيف بن ذي يزن.
يمضي الباحث نشوان دماج في كتابه (الرحمن، اللّغز الأكبر) قدماً في إزالة كل ورقة توت استعملها بلاط معاوية المنوفيزي في ستر عوراته، ومبدداً كل تلك العتمة التي حاكوها للحيلولة دون رؤية تاريخنا على حقيقته. قائلاً لهم: لما رأيتم أن هذا الشرف الكبير لا يمكن إلباسه شخصيتكم الأسطورية تلك؛ قمتم بتلفيق حدث آخر، وهو: استعانة سيف الوهم هذا ببضع مئات من السجناء الفرس لصناعة هكذا ثورة، وإخراج هكذا حدث كبير إلى الواقع، فأظهرتم مليك الغفلة المختلق أكثر هشاشة وضعفا في ما لو اكتفيتم بما دون هذه القصة المفبركة كصاحبها، فأي ملك هذا الذي يظهر بشخصية مهزوزة في بلاط كسرى، وهو يستجديه أن يتفضل عليه بجيش ليحرر بلده، فيتحنن عليه بعد الاستعطاف والاسترحام والخضوع والتذلل، بمئات من القتلة واللصوص وقطاع الطرق والمحكوم عليهم بالإعدام؟ أي ملكٍ هذا الذي يسعى لتخليص بلده من محتل، ليقع بيد محتل آخر؟ لكن هكذا أراد الحلف المنوفيزي إبداء اليمن وملوكه بكل هذه السذاجة والضعف والدعة والهوان وقلة الحيلة ليكتمل المشهد في القضاء التام على شيء اسمه تاريخ اليمن.
هكذا صار اليمن الذي كان ملوكه يبعثون الحملات تلو الحملات لمهاجمة كسرى، وبلغ معظمها المدائن، مجبراً على تقبل مجموعة من سجناء فارس لكي يخلصوه من الاحتلال الحبشي. لكن لماذا كل هذا التخبط والارتباك؟ ألم يكن من اللائق بحلف الثالوث البيزنطي إخراج روايتهم هذه التي أرادوا لها أن تكون تاريخاً لليمن بصورة أقرب للعقل والمنطق، بدل كل هذا التلفيق الذي لا يتقبله عقل طفل؟
لعل رغبة بلاط معاوية المنوفيزي بزعامة سرجون في تخليص اليزنيين من وصمة العار التي تسبب بإلحاقها بهم سميفع أشوع لم تتحقق، إذ اعترى تلفيقاتهم هذه ما لا يحصى من الثغرات التي تبدي كل ما حاكوه هشاً مفككاً لا يكاد يجمع من جانب إلا وتفرق وتبعثر من الجانب الآخر! لتبقى الحقيقة واضحة، عصية على تغطيتها بغربال منوفيزي.
وهي أن اليمنيين ثاروا بقيادة ملكهم أبرهة الحميري، وحرروا أرضهم، وعلى أيديهم تم تخليص اليزنيين خاصة، واليمنيين عامة من وصمة العار التي جلبها لهم سميفع أشوع، الخائن لبلده وملكه يوسف أسأر، ليلقى مصرعه في مخبئه (حصن الغراب) على يد الثوار، فيكون بمقتله قد دفع ثمن خيانته تلك، ويكون اليمن بقيادة أبرهة قد طوى صفحة العار التي مثلها سميفع إلى الأبد، قائلاً للمنوفيزية بكل مكوناتها: كفى ما ذاقه اليمن من ظلمكم وإجرامكم وكفركم واستعبادكم لأكثر من عقد، فها قد قطعنا يدكم، وطهرنا اليمن من عار أداتكم سميفع أشوع.

أترك تعليقاً

التعليقات