في المسكوت عنه
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
للحقيقة وجودٌ سرمديٌ وخلودٌ دائمٌ وأزليٌ، لأن كل ما هو حقٌ في جوهره ومظهره وآثاره محاطٌ بحمايةِ وعناية ورعاية الحق المطلق والحي القيوم والقوي العزيز الملك المقتدر الله سبحانه وتعالى الذي اقتضت حكمته أن تظل سبل الهداية لهذا الإنسان بينة ومعروفة مادام هذا الكائن البشري الذي اختصه الله بالتكريم واختاره من بين كل المخلوقات ليكون خليفته على هذه الأرض، مستعداً لقبول الهدى، وذلك على أساس المؤهلات التي تمكنه من هذا الشرف، والتي تتصدرها بأجمعها الفطرة السليمة، التي بموجبها يتمكن من إزالة كل الحواجز والعوائق التي تحول بينه وبين مواصلة السير في الطريق الذي لا بد أن يستمر في السير عليه حتى يبلغ الغاية التي يسعى للوصول إليها، ويتمكن من تحقيق الهدف الذي يريد على ضوء ما قررته الفطرة بموجب سلامة في النفس ونقاء في الجوهر الداخلي ينبني بموجبهما اختياره النابع عن قناعة والقائم على عزم تام واختيار حر لقبول أمر الله والتحرك بخضوعٍ واستسلام تام له سبحانه، وعليه يصبح مراده قائماً على أساس ما أراده الله منه.
ولأن الله رحيمٌ بعباده فقد بين لنا بآياتٍ بينات كيف نهتدي، وما الذي يجب أن نلزمه كي نستمر في درب الهداية والرشاد، هذه الآيات كثيرة ولا حصر لها، وهي أقسام، فمنها ما يصدر من دواخل الإنسان ويعطيه دفعة قوية لإدراك أهمية وعظمة ما جاء به الله عن طريق رسله من أحكام وتشريعات وأوامر وتوجيهات وإرشادات تضمنت كل ما له علاقة بتحقيق الخير والصلاح في المبدأ والمعاد، ويستوجب الفوز والفلاح في الأولى والأخرى، وبالإضافة لآيات الله التي أودعها كتبه وامتن على الناس بها حين أنزلها على رسله وقد اختصنا بالكتاب المهيمن على كل الكتب واختارنا من بين كل الأمم لنكون أمة خير الرسل وأفضل الأنبياء وإمامهم وخاتمهم صلى الله عليه وآله، جعل في كل ما حولنا من مظاهر ومخلوقات وأحداث ومتغيرات شواهد على عظمته وحقائق تدفعنا لإقرار مطلق العبودية له وتدعونا لبلوغ أكمل الإيمان به.
وعليه فإن التقصير في ما فرضه الله علينا وكلفنا بالقيام به ناتجٌ عن استجابتنا لنداء الغريزة وانجذابنا لاتباع الهوى وخضوعنا لنزعة الطمع وملازمتنا للأنانية، هذه الظواهر المرضية ليست مقتصرة من حيث الوجود على بيئة الذين جاهروا بمجانبة الحق وتوجهوا لمحاربة الأنبياء والمصلحين والأعلام، بل إن بيئة الذين آمنوا بالله واستجابوا لداعيه سبحانه مهددةٌ بهذه الأمراض الفتاكة، وذلك باعتبار أنهم آمنوا برسل الله من حيث المبدأ، لكنهم سرعان ما سقطوا في منتصف الطريق نظراً لتبني معايير مضادة للمعايير الإلهية وتبدل المقاييس التي يبنون عليها أحكامهم ومواقفهم.
كيف ذلك؟ هذا ما سنكشف عنه غداً بعون الله، لأن الحق يوجب علينا انتزاع ذلك من عالم المسكوت عنه، لاسيما وقد بدت بين الفينة والأخرى رغبات وتصرفات توحي بوجود ذوات تستسيغ الانحراف عن المنهج، باسم المنهج وتنظر لذلك وتذلل السبل لحصوله، والله المستعان.

أترك تعليقاً

التعليقات