مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في إحدى الجلسات الفكرية والأدبية والعلمية التي حضرتها مع بعض الأصدقاء المتنورين والأحرار، الذين يتعاطون مع الواقع بوعي، ويتحدثون عن كل أحداثه ومستجداته باتزان وإحساس عال بالمسؤولية، لفت انتباهي وجود شخصيةٍ فريدةٍ ضمن الحاضرين في ذلك المقام المبارك، شخصية ذات ثقافة موسوعية، فما إن تفتح معها موضوعا ما إلا وتجدها قد نالت منه الحظ الوافر والقدح المعلى، ولكن هذه الشخصية في حالةٍ لا ترضي الله ولا رسوله، فقد نال منها الفقر والعوز، وتمكن منها شظف العيش، وتعاظمت مأساتها ومعاناتها، وأصبحت غير قادرةٍ على القيام بواجبها تجاه مَن تعول، نتيجة استبعادها من موقعها الوظيفي، وعدم السعي لاستيعابها من قبل المعنيين بالجانب الثقافي والفكري، إما بدافع الجهل الذي يشعرون معه باستغنائهم عن كل الخبرات والعقول، في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى العمل على استيعاب كل الشخصيات المبدعة والخلاقة، وإما لكون المتصدرين للمواقع القيادية ثقافياً وفكرياً وعلمياً وإعلامياً جيء بهم من خارج هذه الأوساط، فهم غير مؤهلين ليكونوا ضمن كوادر تلك المجالات ناهيك أن يصبحوا قادةً لها، ومَن يقومون بوضع الخطط والبرامج التنفيذية وغيرها لتلك القطاعات والمؤسسات، لذلك فتشوا في سجلات المبدعين والمثقفين وذوي العقول، فستجدون الكثير منهم قد بات على حافة الجنون، بعد طول انتظار للفرج، وبعد الكثير من التمنيات بالموت الذي حتى هو لم يقم باستيعابهم ضمن أصحاب المقابر، تخيلوا أن هناك من أدبائنا ومثقفينا مَن اضطر لتطليق زوجته وأم أولاده، ليكون مصير فلذات أكباده الضياع والتشرد، لأنه وصل إلى طريق مسدود في ما يتعلق بتوفير الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة لأسرته، من مسكن وملبس وقوت وصحة وتعليم، فمَن المسؤول عن وصولهم لمثل هذه الوضعية؟
نعم، قد يقول قائل: لماذا لم تسمِّ تلك الشخصية التي جعلتها محور الحديث لهذه المساحة؟ نعم قد يكون هذا السؤال منطقيا بعض الشيء، ولكننا لا نريد لفت انتباه المسؤول والقيادي في الدولة لشخص بعينه، وإنما نطالب بحلول حقيقية لجميع مشاكل وآلام ومعاناة كل العقول والخبرات والطاقات الإنسانية التي يمتلكها البلد اليوم، نريد الجدية والصدق في ما يتعلق بهكذا أمور، وقبل ذلك ومعه وبعده الخوف من الله واستشعار رقابته علينا، كما لا يليق بنا كدولة قامت على أساس الحق منهجاً وثورةً تحويل المثقف والأديب إلى متسول، كأن لا نكترث به ولا نلتفت إليه إلا متى ما قام أحد الكتاب الكبار بكتابة مناشدة للسياسي الأعلى أو غيره بالنظر بعين العطف والرحمة لفلان الفلاني، اتقوا الله يا قوم، ولا تهملوا أهم الثروات وأغلاها وأقدسها على الإطلاق.

أترك تعليقاً

التعليقات