نظرة القرآني إلى التاريخ
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لعل أبرز ما حث عليه الشهيد القائد (ر) في سلسلة دروس من هدي القرآن الكريم هي: الكيفية التي يجب الانطلاق منها في التعامل مع التاريخ قراءةً وبحثاً، ولا يطرق باب أي مسألة تاريخية إلا وتجلت للسامع والقارئ القراءة التاريخية المنصفة، وهي القراءة التي تبتعد عن أي أهواء طائفية ومذهبية، وتدرس حراك الشخصيات التاريخية المهمة والعظيمة على أنه حراك هادف لتحقيق غايات عليا أهمها رضا الله تعالى وتوحيده على الأرض، وإقامة العدل ورفع الظلم عن المظلومين مهما كانت مذاهبهم ومرجعياتهم الفكرية، لأن الظلم ومواجهته لا يختص بإنسان دون إنسان، كونه انطلق من صريح القرآن الذي يخاطب رسول الله في سورة الأنبياء (آية 17) قائلا: [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]. وماذا تعني الرحمة في ساحة العمل سوى توحيد الجبهات في وجه الظالمين والمستكبرين مهما كانت هوياتهم وانتماءاتهم؟! لأن الظلم والاستكبار لا يخص جهة دون جهة وفئة دون فئة.
إن منهجية المسيرة والمشروع الثوري لا تجرم ولا تنكر نقل الأحداث التاريخية، ولكنها تنكر تقديس هذه الأحداث والوقوف عندها بطريقة تبث الفتنة والفرقة وتضرب وحدة الصف، الأمر الذي يوجب علينا كمنتمين لهذا المشروع ألا نتبنى أي مسألة أو أحداث تاريخية إلا بعد أن نفكر بالأهداف لهذه الأحداث وغاياتها وعللها.
لن تكون قرآنيا بحق إلا متى ما كانت نظرتك وثقافتك وأفكارك المستوحاة من التاريخ قائمة على القراءة المقاصدية والغائية المنصفة والبعيدة عن الأهواء والمنطلقات الشخصانية والمذهبية والطائفية، لأنها هي الكفيلة في أن تجعل من تاريخنا كتابا زاخرا بكل ما من شأنه أن يمكننا من أن نبني مستقبلا مشرقا وحضارة بناءة، ونخرج من أسر الأموات إلى سماء الأحياء لنرسم لهم الحاضر بأصالة الماضي وثقافة الحاضر، فلكل حقبة زمنية أهلها وهم المسؤولون عنها. وقد وجدنا القرآن يؤكد حينما يروي قصص الأولين على عدة أمور أهمها:
1. أخذ العبر والدروس من تلك القصص.
2. استلهام السنن والقوانين التي تحكم التاريخ.
3. أن تلك الأمم لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وهو ما يعني عدم استجلاب الإشكاليات التاريخية في ذلك الزمن أو في الماضي، إلى حاضرنا وعيشها دون الالتفات إلى تداعياتها ودراسة إشكالياتها وجذور نشأتها والفحص عن مكتنزاتها المعرفية، وعن مناهجها وفهم غثها من سمينها والاستفادة من ذلك لحاضرنا، ولسنا معنيين بأفعالهم بل معنيون بالاعتبار منهم وأخذ ما يسير في الطريق المستقيم، وعدم تكرار ما قاموا به وأدى لتفتتهم واندثار هويتهم وحضارتهم ومكتسباتهم ومنجزهم المعرفي، والتعرف على صناع التاريخ الحقيقيين من المزورين له، لتوثيق المصادر ومعرفة الثقاة من غيرهم.
فالسنن التاريخية حتميات تقع مهمة تمظهرها كواقع على إرادة الإنسان واختياره، وهما العلة التي بها تكتمل العلة التامة، ومن يسير عكس السنن فإن سيره سيصل إلى نقطة مفصلية، لتنقلب ضده الأمور بعد ذلك وتعود المسيرة نحو سيرها الطبيعي.

أترك تعليقاً

التعليقات