أزمة المثقف الوجودية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
عطفاً على ما تم الخوض فيه بالمقال الأخير، يمكننا القول: إن المفكر أو المثقف أو العالم أو الأديب أو الإعلامي المسلم هو: إنسان مسؤول، يجب عليه أداء دوره ووظيفته على أساس الشعور والإحساس بالمسؤولية التي يحملها كأمانة من الله، ولا يجوز له التنصل من هذا الواجب، الذي يحتم عليه النهوض في اتجاهين هما: النفس، والآخرون من أبناء جنسه، ولكلٍ من الاتجاهين مهام ووظائف قررها الشارع الحكيم، وبين له كيفيتها، والأساليب والطرق التي يتبعها لكي ينجح في نهاية المطاف بالوصول لتحقيق ما يضمن به حفظ نفسه والآخرين من أبناء جلدته، ولا يوجد أحدٌ يمكن له أن يضع نفسه خارج دائرة هذا القانون الإلهي والأخلاقي والطبيعي، وعليه أن يكون سباقا للقيام بوظيفته، حريصاً على مطالبة وتذكير الآخرين بأداء وظائفهم، والوفاء بالتزاماتهم وعهودهم، لاسيما ما كان داخلا منها في الجانب الاجتماعي والسياسي، التي يكون واجبه فيها أكبر من غيره، باعتبار ما لديه من قدرات فكرية، وإمكانات علمية ومعرفية، تحتم عليه جميعها أن يسخرها في سبيل القيام بكل التكاليف الدينية والإنسانية التي يعيها العقل السليم، ويدفع باتجاهها، وتستوعبها الفطرة الإنسانية النقية، وتعزز في الوجدان التعلق بها، حتى يصير صاحبها على استعداد للتضحية بنفسه من أجل القيام بها على أكمل وجه، وليس في قاموس الإسلام شيء اسمه الحياد، في كل المواقع الحياتية، فالكل مطالب بأن يكون له موقف فيها، ومَن يبتعد عن ساحة الحياة، بحجة التنزه والتطهر من كل النقائص والشبهات، فليس سوى شخص واهم، دفعه عجزه وفشله في الحياة الاجتماعية إليه، وأصبح مفهوم الفشل والعجز لديه عقدة يجب تغطيتها بمبررات ومفاهيم يفلسف من خلالهما تعاليه وعزلته.
إن المهتمين بالفكر والثقافة في بلداننا العربية والإسلامية لا يعيشون هم بلدانهم فحسب، بل يعيشون هما وجوديا معرفيا، وذاك ما ينتج عن علاقتهم مع السلطات، وفي هذا الصدد نشهد تراجع وانكفاء الفكر والثقافة، وعشوائية التقدير والطرح، وفوضوية الكلمة والفن، لأن واقعنا العربي والإسلامي المزري على هذا الصعيد أثبت لنا أن الثقافة والأدب والخطب والإعلام بكل فروعه وامتداداته ومجالاته واختصاصاته وكل ما يتصل بالكلمة أصبحت جميعها تبعاً لرؤوس الأموال، والسلطات السياسية.
من هنا نعرف: لماذا لم يتحرر كل المشتغلين بهذه الجوانب؟ لأن كل ما يتعلق بأمور هؤلاء الاقتصادية والمالية المرتبطة بحياتهم الشخصية لم تتحرر، كونها ظلت رهينة برأي هذا السياسي أو ذاك عنهم، ومدى رضاه عما يقدمون أو سخطه، أو باتت نواصيهم معلقة بيد هذا الممول أو ذاك، ولن يتحرر المثقف أو المفكر؛ لأنه سيفقد وجوده وكينونته، عندما يهم بمعارضة السلطات؛ وإن لم يغتل جسدياً، فسوف يتم ذلك بالنسبة له اجتماعياً وسياسياً وفكرياً، ونفسياً.
إن الفكر والثقافة وأربابهما في حالة عبودية للسلطات، والسلطات هنا ليست السياسية فحسب؛ بل ثمة سلطات فكرية واجتماعية واقتصادية ودينية، وذاك ما يوحي بأن المقصود هنا مطلق العلاقة مع السلطات، نعم هناك سلطات أخرى نافذة تمارس بحق الفكر والثقافة عين ما تمارسه السلطة السياسية من قمع وتهميش وترويع وتغييب واغتيال، فيمحي العقل، ويبيد الإنسان.

أترك تعليقاً

التعليقات