الشهيد القائد.. فاعل أفعال زمن العزة حالاً واستقبالاً
- مجاهد الصريمي الجمعة , 12 مـارس , 2021 الساعة 7:28:06 PM
- 0 تعليقات
مجاهد الصريمي / لا ميديا -
تطل علينا ذكرى استشهاد الحسين البدر، وهو الذي ما غاب يوماً عن واقعنا وعن أمتنا، ففي كل الأحوال والأوضاع والأحداث لا يزال موجوداً، وعلى كل المستويات وفي كل المقامات، سواءً في مقام التربية والتوجيه والتعليم والتثقيف، أو في مقام القيادة والتحرك وحمل المسؤولية.
إنه الحاضر في ميدان العمل دائماً، والشاهد على كل المتغيرات أبداً، يبدي الرأي في أي حدث فكراً وكلمة، ثم يطبع الفكرة بالموقف والحركة، ويطبع الكلمة بالخطوة والثبات والالتزام والاستقامة، فكيف يحد من كان الزمان الذي نعيش فيه زمانه فيعطى حيزاً معلوماً ومحدوداً ومرتبطاً بشهر أو يوم من هذا الزمن الذي هو له؟!
ولكن لا بأس أن ننطلق من وحي ذكرى استشهاده (سلام الله عليه) باعتبارها باباً لا بد من أن ندخل من خلاله إلى عالم تكاملت فيه كل بواعث الكمال، وطوعت له كل معاني النقاء والجلال، وتحلقت حوله كل معاني الرسالية ومقتضيات التزامها والتأدية لها. وإن الانطلاق من ذكرى استشهاده لا يعني بأي حال من الأحوال أن ذلك اليوم هو كل شيء لديه، وأنه حصيلة حياته كلها، بل يعني أن يوم استشهاده هو اليوم المنبثقة منه حركة الزمن، والمترتبة عليه كل متعلقات الحياة.
كما أن بطبيعة علاقتنا بكل الرساليين والعظماء والمصطفين من عباد الله عادةً ما نتخذ من يوم واحد من بين أيام حياتهم كلها مقدمة للتعرف عليهم والتمسك بهم واقتفاء أثرهم ومتابعة طريقهم والتزام طريقتهم، باعتبار أن تلك الأيام مثلت خلاصة الزمن كله وخلاصة الحياة كلها، لهذا قيل: "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"، قيل هذا في الإمام الحسين (عليه السلام)، وما ينطبق عليه سلام الله عليه هو منطبق على حسين العصر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وهنا لا بد لنا من استلهام الدروس والعبر التي تزخر بها مدرسة الشهيد القائد، فهي تشتمل على الكثير والكثير في ما نحن بأمس الحاجة إليه في مختلف شؤون حياتنا. ولست مدعياً لنفسي الإحاطة بكل ما تحتويه هذه المدرسة، فإن ما تحتويه أكبر من أن يحيط به علماً من كان مثلي وعلى شاكلتي قاصراً في معرفته، وقليلاً اطلاعه، ومحدوداً فهمه، لكن لا بد لي كظمآن نال من نهر الهداية رشفةً وهبته الحياة وأكسبته سبل معرفة ذاته وطريقه وعرفته بمصيره أن أبدي ما تملك علي نفسي وانتظم به نبض خافقي، وسرى في كل قطرة من دمي، واستوطن كل خلية من خلايا جسدي، نحو هذا العظيم الذي هو قبس من نور الوحي، وبضعة من كنه الرسول، وجوهر تجلي الرسالة بكل معانيها وملامحها وآفاقها ومصاديقها.
كيف لا وقد كان القرآن الكريم منطقه والنطاق الذي ضبط حركته، والمادة التي انبنت وفقه رؤيته، والمنطلق الذي على أساسه بنى موقفه وحدد وجهته؟! فمن خلال القرآن قدم التفسير الدقيق والنظرة العميقة والشاملة والموضوعية والواضحة لكل ما عليه واقع الأمة، فكان بحق "قرين القرآن"، لأنه قدم من خلال القرآن التشخيص التام لكل المشكلات، وقدم الحلول، وتحرك عملياً ليربي ويوجه ويثقف ويبني تحركاً مصحوباً بوعي لطبيعة المرحلة، تحركاً ينم عن معرفة تامة بخطورة هذه المرحلة وفهم لطبيعة الأحداث.
كما أنه اتصف بصفات وميزات وسمات شخصية فريدة وجليلة جعلت كل من يسمعه في ما يدعو إليه وينادي بالتزامه يرى ذلك متحققاً به وبارزاً بشخصيته وحاضراً ومشاهداً في تصرفاته ومعاملاته، وممارساً في كل أحواله وأوضاعه، في المنشط والمكره، وفي الحل والترحال، في البيت والمسجد، والسوق والقرية والمؤسسة والمقيل. وكان من أبرز تلك السمات الخشية العظيمة من الله، هذه الخشية التي تملكت عليه كل وجدانه، فلم يعد يحسب حساب أحد أو يخاف من أحد سوى الله، فهو وحده الذي يخافه ويرغب إليه ويسعى لنيل رضا.
هذه الخشية من الله وحده تجلت من خلال كلماته ومحاضراته ومواقفه، وهو يواجه السخط الكبير والحرب الشاملة من الداخل والخارج والاستنكار الواسع من المحيط والمنطقة والمذهب والشخصيات والوجاهات والعلماء والمتعلمين، مع ذلك لم يكترث بأي صوت، ولم تقعده أساليب الترغيب ووسائل الترهيب عن الهدف الحقيقي الذي يعمل على تحقيقه، وهو رضى الله والفوز بما عنده. ومن تجذر الخشية الحقيقية لله وتجذر الحب الصادق له سبحانه والرغبة بما عنده نستدل على مدى الكمال الذي تحقق له (سلام الله عليه) في جانب المعرفة الحقيقية لله تعالى، تلك المعرفة التي جعلته لا يؤطر نفسه في إطار مذهب، ولا يحد اهتماماته بحدود جغرافية، بل انطلق من منطلق المعرفة والحب لله والرغبة بنيل رحمته وعفوه ورضوانه ليعيش الرحمة بكل عباد الله في وحدة إحساس وشعور نحوهم وبنفس تتألم لآلامهم وتفرح لفرحهم وتحزن لحزنهم، يتابع أخبار كل المسلمين، يعيش القرب من كل المستضعفين حاملاً الحب للناس، كل الناس، يعيش الإحسان بكل مقتضياته ومعانيه، فهو القريب من الفقراء وجليس المعاقين والبسطاء، يُعنى بالطفل والشاب والشيخ والرجل والمرأة، يناقش القضايا ويقدم الحلول، ويوجه الكاتب والشاعر والخطيب والإعلامي.
هكذا عاش (سلام الله عليه) للإسلام، وانعكست في كل مراحل حياته كل مفاهيم الإيمان وقيمه، فهو العزيز بعزة الله ورسوله والمؤمنين، يأبى الذل والهوان، لا يسكت عن الظلم ولا يهادن أو يداهن الظالمين، عاش مقتضى النصرة لله، فامتدت حياته لتجعل من اليمن وقريباً المنطقة والأمة أنصاراً لله وحده.
هذه بعض سمات الشهيد القائد التي نستوحيها من كلماته ودروسه ونستقيها ممن عرفوه وتحدثوا عنه، فما هي السمات والخصائص الظاهرة بمشروعه؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه في العدد القادم بمشيئة الله.
لا نزال مع الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، شهيد الحق والمبادئ الحقة، شهيد القضية العادلة للأمة، فهو تحرك من أجل الأمة، ولذلك هو شهيد الأمة، كل الأمة، لأنه حمل قضاياها وتبنى موقف الدفاع عنها وانطلق ليواجه أعداءها بالكلمة والتوعية والتربية والتوجيه، فأعد رجالاً في كل مسار، وصنع أبطالاً في كل ميدان وساحة من ساحات المواجهة والتصدي لقوى الهيمنة والاستكبار.
وها هي صرخة الحق، الصرخة في وجه المستكبرين، ترتفع عالياً متفجرةً من حناجر الشعب اليمني الذي بات بها يزلزل عروش الطغاة والفراعنة المجرمين على مستوى المنطقة والعالم، وبات يرفع بقبضاته سقف بنيان العودة إلى الفطرة السليمة وتجسيد وجود الآدمية بكل معاني التكريم الإلهي، وفي إطار منهج الله سبحانه ووفق الدين الذي ارتضاه لعباده على أساس سليم، في ظل العودة الحقيقية للقرآن والتمسك به، والالتزام بخط الرسول الأكرم في مقام القدوة والأسوة والاتباع والارتباط بولاية الله ورسوله والذين آمنوا، موقفاً وحركةً وأسلوب حياة.
وقد سبق وحاولنا الوقوف على بعضٍ من أبرز السمات والخصائص التي اتسمت بها شخصية الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، وتعلمنا منه دروساً كثيرة، ومن هذه الدروس أن نخشى الله فوق كل شيء وقبل كل شيء، وألا نخشى أحداً من الظالمين والمتجبرين مهما كانت قوتهم، لأنهم وإن بلغوا ما بلغوه من امتلاك القوة وأساليب التخويف ووسائل البطش والهيمنة فهم ليسوا شيئاً أمام الله وأمام قوته وجبروته وعلمه وسيطرته وقهره.
تعلمنا من الشهيد القائد أن نأنس بالحق وإن قل أتباعه، وأن نستوحش من الباطل ونتصدى له ونقف في وجهه ونمقت ونعادي ونجانب ونحارب كل متبعيه ومرتاديه والعاملين به والساكتين عليه مهما كثر سوادهم وبرزت مظاهر قوتهم.
لقد نجح هذا المشروع نجاحاً كبيراً ومشهوداً وملموساً ومعاشاً، فها نحن نتقلب في وافر خيراته ونعيش نعيم بركاته ونجتني من طيب ثمره، ونتفيأ ظلال جناته، فما هو السر في نجاحه بين كثير من الدعوات والمشاريع والأطروحات السابقة له والآتية بعده وفي مختلف بقاع العالم الإسلامي؟
لعل أولى السمات التي امتاز بها هذا المشروع عن سواه من المشاريع هي الواقعية أولاً، سواء من حيث الفهم للواقع والوعي بطبيعة المرحلة أم من حيث القدرة على تشخيص المشكلات والإشكالات، مع استطاعة هذا المشروع تقديم الحلول والمعالجات بشكل كلي.
ثانياً: إنه مشروع عملي ينزل إلى كل ساحات العمل محركاً الجمود ومبدداً الركود ومزلزلاً الواقع ومغيراً فيه إلى التي هي أحسن. ثم إن الشهيد القائد لم يكتف بإبداء رأيه وقراءته للواقع في كتاب أو مصنف ثم يدفع بذلك إلى دور الطباعة والنشر وانتهى الأمر، بل نزل إلى الواقع وقدم هذا المشروع في مقام الحركة والعمل والموقف، فلم يكن صاحب برج عاجي بعيد عن الناس وهمومهم، بل كان القريب منهم والمتبني لقضاياهم والحريص عليهم، يقول ويفعل، يدعو ويتحرك، يبين ويوجه ويدفع للعمل.
ثالثاً: من سمات هذا المشروع أنه تحرك على أساس القرآن الكريم، فمحورية النص القرآني هي الأساس فيه، ولا يوجد على الإطلاق حركة أو مشروع أو توجه وقف من القرآن هذا الموقف وتحرك على أساسه سوى مشروع المسيرة القرآنية، فقد يستشهد الناس بآية أو بعض آيات، لكن في إطار محدود وضمن قضايا معينة، أما بشمولية واستيحاء تام فقد اقتصر ذلك على هذا المشروع الذي تحرك باعتبار القرآن كتاب حياة وكتاباً شاملاً وكتاب هداية وتبصرة وتعليم وتربية، لأنه كتاب الله الذي أنزله لهداية البشرية.
وقد لاحظ الشهيد القائد وأدرك أن الترهل الفكري على الرغم من كثرة الكتب والمطبوعات وانتشار العلم والمعرفة ما هو إلا مظهر من مظاهر الجهل وانعدام الوزن لدى هذه الأمة، لأنها انفصلت عن كتاب الله فانفصلت عن الحياة، ولأنها عزلت كتاب الله فانعزلت وظلت هناك تراوح مكانها مهزومة ذليلة مقهورة محطمة.
لقد باتت النظرة إلى القرآن الكريم نظرة محدودة وجزئية وقاصرة. ففي وسائل الإعلام وعند مناقشة أمور وأوضاع الأمة وتحليل الأحداث يحضر كل شيء ما عدا القرآن، الذي بات حضوره والحديث من خلاله ضرباً من ضروب الرجعية والتخلف وشاهداً من شواهد التخلف، فهذا المشروع كان قوياً في انطلاقته ولا يزال، نتيجة لقوة المرجعية التي قام بموجبها، وهي القرآن.
رابعاً: حاكمية القرآن وهيمنته فوق كل فكر وثقافة ومذهب وحركة. وهذه قاعدة مهمة أرساها هذا المشروع القرآني، كما يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله)، أن يكون حكم القرآن فوق كل حكم وثقافته فوق كل ثقافة وفوق كل فكر. ومن هذه القاعدة تحرك هذا المشروع لينقد ويصحح ويعالج الكثير من الاختلالات، حتى على مستوى المذهب الزيدي، فقد حرص الشهيد القائد على ألا يكون أحد فوق القرآن مهما كان فضله ومهما بلغ في علمه ومكانته.
لذلك نقول بأن الشهيد القائد (رضوان الله عليه) هو الذي أعاد الاعتبار لمعنى الوحدانية لله تعالى بمفهومها الصحيح في هذا العصر، إذ عمل على إزالة كل ما استجد من الأصنام، بشرية كانت أم حجرية، وربط الناس بالحي القيوم، من خلال ربطهم بالقرآن، فوراء هذا القرآن الذي نزل القرآن وهو الله ملك السماوات والأرض.
خامساً: لم يكن هذا المشروع نخبوياً ولا طبقياً ولا مذهبياً، بل قدمه الشهيد القائد للناس جميعاً، وتوجه من خلاله لكل الفئات والمجتمعات والمذاهب والطبقات. ولأنه يعتمد على القرآن وينطلق من خلاله فباستطاعة الكل أن يستفيد منه ويفهمه كيفما كان مستواه التعليمي وأيّاً كانت طبقته أو طائفته.
سادساً: استطاع هذا المشروع تشخيص المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الأمة؛ فهي تعاني من أزمة حقيقية كانت سبباً في حصول كل الأزمات، وهي أزمة الثقة بالله، فالأمة لم تعد تثق بالله ولم تعد تؤمن بوعوده. وقدم (رضوان الله عليه) الكثير من الدروس والمحاضرات التي تعزز الثقة بالله وتعزز الاستجابة له.
سابعاً: عمل هذا المشروع على إحياء الشعور بالمسؤولية وبناء الروحية الجهادية. فبهاتين الميزتين استطاع أن يخطو الخطوات الجبارة ويواجه التحديات الكبرى.
ثامناً: اتجه هذا المشروع إلى التصحيح من الداخل، سواءً على مستوى النفس وبناء الفرد نفسياً، وكذلك المجتمع والأمة، لأنه متى ما صلح واقع النفس صلحت الحياة، أو على مستوى المفاهيم والأفكار، فوراء كل فكرة خاطئة وتصور غير صحيح وثقافة مغلوطة تحرك هدام وعمل مدمر، ووراء كل ثقافة صحيحة تصور سليم وتحرك بناء وعمل مثمر.
تاسعاً: أدرك هذا المشروع ضرورة التحرك بخطوات عملية لمواجهة التيارات التي تتحرك من الداخل لصالح العدو، وفي مقدمتها تيار المنافقين والعملاء، فكان الهتاف بالصرخة والدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونية هما السلاح لمواجهة هؤلاء وكشفهم.
المصدر مجاهد الصريمي
زيارة جميع مقالات: مجاهد الصريمي