روح الثورة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ضمان بقاء الثورات الشعبية التحررية حيةً متجددةً غضةً فتيةً ناضجةً قويةً متمكنة وفعالة مهما تقادمت بها الأزمان، وتعاقبت عليها الأجيال، هو: في قدرتها على بناء شخصيتها الثقافية والفكرية، بالمستوى الذي يمكنها من صياغة المفاهيم وتكوين القناعات والتصورات عن كل شيء في الوجود وفق ما يقتضيه المنهاج الذي تستند إليه تلك الثورات في حركتها وأهدافها، إذ من المعلوم لدى الناس جميعاً: أن الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، والمستكبرين والمستضعفين لم يكن يوماً مقتصراً على الجانب العسكري، وإنما هو صراعٌ شاملٌ لكل جانب من جوانب الحياة، متسعٌ باتساع حاجات الإنسان، ومتعدد بتعدد أنشطته ودوافعه وميوله ورغباته واهتماماته، لذلك كان لزاماً على الثورة التي تتقدم وتنتصر في الميدان العسكري: أن تبدع في ميدان الفكر وتتميز بفنها وأدبها، لأن الساعد الذي يحمل السلاح للدفاع عنها، وصون مكتسباتها بحاجة إلى الروح التي بها سيظل على قيد الحياة، وأي روحٍ تلك التي لا تحيل دمها إلى مدادٍ تكتب فيه مآثرها، وتسطر به أمجادها؟ إلى الحد الذي يجعل كل تجربة خاضتها، وكل خطوة تخطوها كفيلةً بإيقاظ أمة من سباتها، ودفعها لتحقيق حريتها واستقلالها، هي روحٌ حكمت على نفسها بالفناء، وأحالت كل ما قامت به من أعمال إلى هشيم تذروه الرياح في كل مكان.
وليت شعري متى سيصبح واقعنا كله يحيا بأنفاس ثورتنا ويتمثل أخلاقها وقيمها؟ متى سنشهد وجودا لمراكز الدراسات والأبحاث التي تهتم بإخراج كل ما أبدعه المجاهد بالدم والبارود في ميادين القتال من شواهد على سمو النفس الإنسانية، وعظيم شرفها وأخلاقها ومبادئها إلى الناس؟ فيعيش الجميع تلك التجارب، في ما يقرأون ويسمعون، إلى أن تصير جزءًا من كيانهم وفكرهم، وأساساً لا سبيل للاستغناء عنه في تربيتهم وسلوكياتهم. متى سنرى بواكير لأعمال سينمائية تنقل لنا الصورة من سوح التضحية والفداء إلى ساحة الفن والمسرح وغيرها؟ متى سيكون للأدب اليمني كلمته وهو يتهجى كل ما اجترحه المجاهدون بحس عالٍ ووعي تام وفكر منفتح وروح حاضرة وشفافة؟ كي نصل برسالتنا إلى كل بقاع الدنيا، ونرسخ جذور ثورتنا في إعماق أعماق الأرض والحنايا.
إن جل ما يخشاه المرتزقة والخونة المنافقون العملاء هو: أن يكون لثورتنا نتاجها الثقافي والفكري الذي يوصلها بالأجيال الصاعدة، ويمكنها من النفاذ إلى كل حيز في الوجود والوجدان اليمني، ولقد لمسنا ذلك في مهاجمتهم لما تم تضمينه للكتب المدرسية من نص شعري لمعاذ الجنيد، وكيف قابلوا ذلك العمل بالرفض، ذلك لأنه عملٌ يخلد الثورة، وينمي الوعي بأهميتها لدى التلاميذ، ويوجد جيلا من أوساطهم سيدافع عنها ويحمي مكتسباتها مستقبلاً، وإذا كان لهذا العمل البسيط كل هذا الأثر، فكيف سيكون فيما لو اتجهنا فعلاً لتأكيد ثورتنا في الواقع بجدية، بدلاً من العمل الذي يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وابتعدنا عن العشوائية والمزاجية، واعتمدنا في ذلك التخطيط الدقيق، لإعداد برامج شاملة ومتكاملة بهذا الخصوص، وأتحنا المجال لكل المبدعين، فيدلو كلٌ بدلوه؟

أترك تعليقاً

التعليقات