هون عليك، أرجوك!!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
صديقي الإعلامي المرموق، صاحب الحضور الكبير والمثقف الطليعي: أرجوك: قبل أن تسرف في استعمال مصطلح «الخيانة، والعمالة، والطابور الخامس، والأيادي الخفية» وتمعن في الاستغراق في التيه، إلى الحد الذي يجعلك تطير من بغداد (صدام) إلى ليبيا (معمر) وتحشد كل مستلزمات التخويف والترهيب لإسكات كل صوت حر يدعو بحق، وينتقد بصدق، ويتحرك بوعي، ويعبر عن سلامة انتماء للمشروع الثوري، معتمداً على ضبابيتك في التعميم، التي تنزل الناصح الأمين، منزلة الخائن العميل المرتزق: لماذا لم تسأل نفسك: ما الذي جعلك تشعر أن ثمة قدرة على استقطاب الناس من قبل العدو، في الوقت الذي لا تستطيع أنت أن تكسب كل المجتمع إلى صفك، وتتمكن من جعلهم يتحولون إلى عامل قوة يدعم موقفك، ويساند قضيتك العادلة، وخصوصاً أن لديك من الحقائق ما تستطيع بها مخاطبة وإقناع العقول، ولديك من المظلوميات والمآسي ما يجعلك قادراً على تحريك الصخور الصماء، وإيقاظ الضمائر الغافلة؟ فأين يكمن الخلل بالضبط؟ وما الذي يجب فعله لتفاديه وجبر كل ما سببه من كسور وكوارث ونكبات؟
ربما لأنك اكتفيت بأدوات ووسائل وأساليب وأنواع الخطاب الموجه عادةً للمحب والمناصر والمتبع الموالي، ولم تعمل على تطوير كل تلك المقومات، مع تجديد وتوسيع مضامين الخطاب حتى تستهدف بما تقدمه من فكر الجميع، وربما بات نشاطك منطلقاً من واقع الإحساس بإسقاط واجب، ولم يعد معبراً عن حملك للرسالة كهم يومي، وعنوان للحياة، ومعنى في الذات والروح، وأصل في العقيدة، وربما وجدت نفسك في برج عاجي، لا تطيق النزول منه ومغادرته، وربما صرت مشمولاً ببركة السلطة، مؤيداً بالجاه والمنصب.
إن لدى الشهيد القائد رضوان الله عليه، قواعد واستنتاجات مهمة، لكل مَن يعملون على تثقيف الناس وإرشادهم وهدايتهم، نحن اليوم بأمس الحاجة لمراجعة وتقييم أعمالنا على ضوئها، من ذلك مثلاً: أنه لا يكفي في قيامك بإقناع الآخرين بالحق عرضه عليهم جامداً، خالياً من المعاني الوجدانية ذات التأثير العميق، والأسلوب الجذاب، وهذه هي الحلقة المفقودة اليوم، إذ جعلنا الحق عاجزاً، بإسناد مهمة تقديمه للآخرين إلى العجزة، والمعقدين، والمنطلقين في عملهم ونظرتهم من منطلق مذهبي، والجاعلين من التراث الفقهي أفقهم في الحكم والبيان والتربية والحركة والسياسة والاجتماع، ولم يلتفتوا لآفاق القرآن، إلا بالقدر الذي يحد من نفوذها، ويمحو آثارها في الواقع وفي النفوس قبل ذلك.
إن أهل الحق يا صديقي ليسوا كما كانوا في البدايات، فما إن ابتدأت أقدامهم في السير حتى ظهر التفاوت بينهم جلياً، فمنهم مَن سقط في المرحلة الممهدة للدخول في الامتحان الصعب، فعاد من حيث أتى، ليصير في ما بعد صورةً للذكرى وشاهداً لأخذ العظة والعبرة بالنسبة للباقين على السير في الدرب الطويل من البلاء والتمحيص والبيان والكشف والفرز، ومنهم مَن يقطع شوطاً لا بأس به، ولكنه سرعان ما يتنكر لتلك الأسس التي اعتمدها كقاعدة لانطلاقته، وعنوان لفكره وشخصيته، وذلك باتباع أساليب تمكنه من الانفصال عن النهج الذي يدعي تبنيه، كمشروع للحياة كلها، شيئاً فشيئاً، إلى أن يصبح في حالة الانقطاع التام عن ذلك كله، فيقوم عندها بوضع نفسه العارية من القيم والأخلاق، الخالية من الإيمان والهدى والخير، موضعَ كل ما هو حق ودين وشريعة يجب التزامه، ولا يحق لأحد مخالفته، أو الخروج عليه، ولا يعدم مثل هذا الصنف الوسيلةَ التي تعينهم على خداع الناس، والتلبيس عليهم، حتى يتمكنوا من فرض أهواءهم على كل شيء، بيسرٍ وسهولة، إذ لا مانع لديهم من الحفاظ على القشور لذلك النهج الذي التزموه أولاً، مع افراغها من المضمون والمحتوى بالمطلق.
ومنهم مَن يقضي زمناً طويلاً من عمره في رحاب ذلك الحق قيادةً وأمةً ومشروعاً وطريقة عملية، ولكن بعقليةٍ طفوليةٍ لا تعير كل ما تراه أو تسمعه أو تعيشه أدنى اعتبار، الأمر الذي يضعها في نطاق ضيق، وأفق محدود على مستوى الحركة والموقف والنظرة في جميع شؤون الحياة العامة والخاصة، ولعل أبرز ما يميز هذا الصنف عن الصنفين السابقين هو:
القدرة على الإلمام بكل محددات المشروع في بعده النظري، مع العجز الشديد عن العمل على ترجمة كل تلك المحددات في الجانب العملي، فهم دائمو الحديث عن المعاني والمبادئ والقيم التي يؤمن بها المنتمون إلى المشروع في كل وقت وحين، مع التمادي في الابتعاد عنها، والإقبال على التزام كل ما هو واقعٌ على النقيض منها، في حال الممارسة والتطبيق على أرض الواقع. ولذلك لا غرابة أن يرافقهم الفشل في إحداث أي تحول حقيقي لإصلاح الواقع الفاسد، أو إيجاد توجه جاد لتحقيق التغيير المطلوب، بالإضافة إلى فقدان الإمكانات التي يستطيعون من خلالها مواجهة التحديات، وحل المشكلات أياً كانت، وإذا ما حاولوا عمل شيء من ذلك بدت عليهم مظاهر التخبط والإرباك، فيزيدون الوضع سوءًا، والاختلالات سعةً، لأنهم يجهلون الوسائل المطلوب التزامها لبلوغ الغايات، ويفتقرون للوعي والإرادة اللذين لا بد منهما لإنجاح عملهم، كما يعانون من الجفاف الروحي، فتراهم يسارعون لاعتماد آليات وسياسات أهل الطغيان في القمع والإذلال والتعدي على من خالفهم، ولكن هذه المرة باسم أهل الحق والعدل، وحملة لواء القرآن.

أترك تعليقاً

التعليقات