مَن هم العارفون لله؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثبت بالدليل والبرهان تاريخياً: أن الذين تمكنوا من تغيير واقع البشرية من حالة الركود والتفكك والفساد والانحلال، إلى حالة التسامي والرقي والفاعلية الخلاقة على مستوى الفكر والحركة والبناء، واستطاعوا توحيد المجتمعات، بعد تفكك واقتتال وحقد واستعلاء وكبر تزلزلت على إثره كل صلاتهم وروابطهم، وصيغت بموجبه كل دوافعهم ونظمهم وثقافاتهم وأخلاقياتهم، لم يكونوا من الفلاسفة الكبار، ولا من العلماء الأفذاذ في عصورهم، وبين طبقتهم، بل كانوا من الأميين على الأغلب، ومن المشتغلين بحرفة الرعي للأغنام، وليس ثمة شاهد على ذلك أكثر بياناً من حياة الأنبياء والرسل عليهم السلام، وفي مقدمتهم نبينا الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، والذي لم يكن كسقراط، ولا أفلاطون، ولا حتى من الذين يعرفون القراءة والكتابة، فيتسنى له الاطلاع على ثقافات ومعارف وعلوم الأمم الأخرى، ولكنه بالطبع صلى الله عليه وآله، فاق كل الفلاسفة والعلماء، لما عرف ربه، والتزم الطريق الذي بلغ به أعلى مراتب الكمال في الإقرار بوحدانيته سبحانه، فتلقى الوحي منه عز وجل بقلبٍ خالص، وعزيمة ثابتة، وروحية الحريص على الناس، الرحيم بهم، فكان الكتاب العزيز نوراً يتجلى في سلوكه، وينعكس على حركته وقراراته، وحربه وسلمه وعبادته ودعوته وعلاقته بالناس.
نعم لقد حثت الثقافة الإسلامية على ضرورة السعي في سبيل اكتساب العلم، وجعلت ذلك فريضة على كل مسلم، ولكنه لا بد أن يقوم على أساس التوحيد لله، لكي يترسخ في وجدان العالم والمتعلم الهدف الذي لا بد أن يسخر ما تعلمه لتحقيقه، وهو: نجدة البشرية من كل الأمور التي تسقط إنسانيتها، وتحول دون نموها وتكاملها، ومتى ما أغفل العلم هذا الهدف، صار جهلاً، إذ سيسوق الإنسانية إلى مستنقع الشر والفساد والجريمة، لأن العلم هنا سيكون: خالياً من الحكمة، التي تمنح العالم وعياً أخلاقياً، مصحوباً بالبصيرة، التي تخلق الفهم والشعور والإدراك الذي يمكنه من وضع كل شيء في موضعه، ولا سبيل لتحقق الحكمة في واقع وسلوك العالم، إلا بمعرفته لله، كون معرفته سبحانه، تخلق حساً وجدانياً في نفس العارف، بحيث يبني كل دوافعه وأفكاره وأهدافه وغاياته في الحياة، على أساس الوحدانية لله، التي تجعله يرتبط به، ويحسب حسابه في حركاته وسكناته ومواقفه.
وقد أكد الشهيد القائد رضوان الله عليه، على ضرورة التربية للنفس من منطلق المعرفة لله، وبين أن مَن يعرفون الله فعلاً هم: الذين ستنعكس تلك المعرفة على سيرتهم الحياتية، كون الواقع العملي والسلوكي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي والفكري وغيره، هو: المصداق لكل ما يحمله الإنسان من قناعات وعقائد وأهداف وتصورات معبرة عن الرؤية التي يحملها تجاه الكون والحياة والإنسان، وترسم له البرامج التي يتعين عليه اختيارها، لكي يصل إلى أهدافه وتطلعاته المختلفة.

أترك تعليقاً

التعليقات