بؤر الشر والفساد
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
شرُّ الدواب عند الله، وعند خلقه: أناسٌ أحسنوا الاختيار في ما اتخذوه منهاجاً يبني العقيدة، ويصوغ الفكر الدافع نحو التزام وجهة محددة للحركة العملية، وفق ضوابط ومحددات وأساليب ورؤى ومعايير إلهية المصدر، رسالية المنطلق، إنسانية الفكر، إيمانية الهدف والغاية، في البدايات، وما إنْ ابتدت أقدامهم السير ظهر التفاوت بينهم جلياً، فمنهم مَن سقط في المرحلة الممهدة للدخول في الامتحان الصعب، فعاد من حيث أتى، ليصير في ما بعد صورةً للذكرى وشاهداً لأخذ العظة والعبرة بالنسبة للباقين على السير في الدرب الطويل من البلاء والتمحيص والبيان والكشف والفرز، ومنهم مَن يقطع شوطاً لا بأس به، ولكنه سرعان ما يتنكر لتلك الأسس التي اعتمدها قاعدة لانطلاقته، وعنواناً لفكره وشخصيته، وذلك باتباع أساليب تمكنه من الانفصال عن النهج الذي يدعي تبنيه، كمشروع للحياة كلها، شيئاً فشيئاً، إلى أن يصبح في حالة انقطاع تام عن ذلك كله، فيقوم عندها بوضع نفسه العارية من القيم والأخلاق، الخالية من الإيمان والهدى والخير، موضعَ كل ما هو حق ودين وشريعة يجب التزامه، ولا يحق لأحد مخالفته، أو الخروج عليه. ولا يعدم مثل هذا الصنف الوسيلةَ التي تعينه على خداع الناس، والتلبيس عليهم، حتى يتمكن من فرض أهوائه على كل شيء، بيسرٍ وسهولة، إذ لا مانع لديه من الحفاظ على القشور لذلك النهج الذي التزمه أولاً، مع إفراغها من المضمون والمحتوى بالمطلق.
ومنهم مَن يقضي زمناً طويلاً من عمره في رحاب ذلك الحق، قيادةً وأمةً ومشروعاً وطريقة عملية؛ ولكن بعقليةٍ طفوليةٍ لا تعير كل ما تراه أو تسمعه أو تعيشه أدنى اعتبار، الأمر الذي يضعها في نطاق ضيق، وأفق محدود، على مستوى الحركة والموقف والنظرة في جميع شؤون الحياة العامة والخاصة. ولعل أبرز ما يميز هذا الصنف عن الصنفين السابقين هو ما يمكن لنا تقصيه ضمن النقاط التالية:
1 - القدرة على الإلمام بكل محددات المشروع في بعده النظري، مع العجز الشديد عن العمل على ترجمة كل تلك المحددات في الجانب العملي.
2 - الحديث عن المعاني والمبادئ والقيم التي يؤمن بها المنتمون إلى المشروع في كل وقت وحين، مع التمادي في الابتعاد عنها، والإقبال على التزام كل ما هو واقعٌ على النقيض منها، في حال الممارسة والتطبيق على أرض الواقع.
3 - الفشل في إحداث أي تحول حقيقي لإصلاح الواقع الفاسد، أو إيجاد توجه جاد لتحقيق التغيير المطلوب، بالإضافة إلى فقدان الإمكانات التي يستطيعون من خلالها مواجهة التحديات، وحل المشكلات أياً كانت، وإذا ما حاولوا عمل شيء من ذلك بدت عليهم مظاهر التخبط والإرباك، فيزيدون الوضع سوءاً، والاختلالات سعةً، لأنهم يجهلون الوسائل المطلوب التزامها لبلوغ الغايات، ويفتقرون للوعي والإرادة اللذين لا بد منهما لإنجاح عملهم، كما يعانون من الجفاف الروحي، فتراهم يسارعون لاعتماد آليات وسياسات أهل الطغيان في القمع والإذلال والتعدي على من خالفهم؛ ولكن هذه المرة باسم أهل الحق والعدل، وحملة لواء القرآن، وذاك والله منهم براءٌ، وهو سبحانه لهم بالمرصاد.

أترك تعليقاً

التعليقات