هي شهادة لله
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
قال بعض المفكرين والباحثين الإسلاميين: إن الفقهاء قديماً ساهموا إلى حدٍ كبير في حصر المفاهيم القرآنية ذات المداليل الواسعة، وأفرغوها من محتواها، وذلك كجزء من مهمتهم التي كلفتهم بها أنظمة الجور، وسلطات الملك العضوض، التي كانوا مرتبطين بها، وعامل مساعد في تثبيت قواعدها وأركانها، والجهاز المعني برسم سياساتها تجاه شعوبها، وتطويع العامة لها، وإزالة كل ما يحول دون التسليم لأمرها بينهم، ويمنع السير معها حيث تسير أو تختار.
وأما أبرز تلك المفاهيم التي تعرضت للاعتداء من قبل فقهاء السلطان فهو: مفهوم الشهادة، والذي تم حصره على الذين يقدمون شهادتهم في فض المنازعات، أو كتابة العقود والملكيات، أو القتل في سبيل الله، أو في إقامة الحدود المختلفة التي أوجبها الشارع للحفاظ على سلامة المجتمع وأمنه وطهارته النفسية والجسدية والفكرية.
بينما نجد القرآن الكريم يقدم الشهادة بمفهومها العام والشامل، لكي تصبح هي العنوان الذي يلتزمه المسلم في كل جانب من جوانب حياته، فيكون شاهداً بالحق على نفسه وعلى الآخرين لله تعالى، من أجل إقامة العدل، وإماتة الظلم، والدعوة إلى كل ما فيه الخير والعزة والسمو والاطمئنان والصلاح والتقدم والرخاء للجميع، والحث على كل ما من شأنه أن يبني الواقع على أساس التوجه للأمر مع الالتزام بكل ما هو معروفٌ وحق، واجتناب لكل ما يدخل ضمن المنكرات والباطل بقليلٍ أو كثير.
من هنا يتبين: أن الشهيد هو ذلك الشخص الذي يختار السير في طريق الحق، في مسيرته الحياتية كلها، فلا مكان عنده للمجاملات على حساب العقيدة والإيمان، ولا مجال لديه للتنازل عن شيء من الحق والدين، حتى وإن كانت حياته هي الثمن المتوجب عليه دفعه من أجل نيل وسام التسمية بالشهيد، وبلوغ مرتبة الشهادة عند الله وعند خلقه.
وما القتل في سبيل الله سبحانه وتعالى، إلا مرحلة الاختبار الأخير، والتي يقف المؤمن حيالها بين خيارين: فإما أن يختار الوقوف مع مبادئه الحقة وقضاياه العادلة، متنازلاً عن وجوده الزائف والمؤقت، فيُكتبُ له ولها الخلود والبقاء، متوجاً كل مراحله بالنجاح والفوز، وإما أن يختار الوجود الزائف والمؤقت، وينسلخ عن مبادئه وقضاياه، فيُكتب له الخزي والفناء، وتذهب كل آثاره أدراج الرياح.
ومن باب الشهادة لله أقول: متى يا ترى سيتم إنصاف شرف حجر؟
الأمل بك سيدي قائد الثورة، كيف لا وأنت القائل قبل اليوم: هنا أنتهز هذه المناسبة في الحديث عن هذا الموضوع لأذكر كل الذين ينتمون إلى مسيرتنا القرآنية في أي موقعٍ كانوا، في أي منصبٍ كانوا، وفي أي مستوى كانت صلتنا بهم: أننا لن نقبل لهم ولن نرضى لهم أبداً بأن يستغلوا هذه المسيرة القرآنية، وما فيها من التضحيات والجهود والشهداء، والمسؤوليات الكبرى التي نهضت بها أمة مؤمنة مضحية مجاهدة على رأسها صفوةٌ من عباد الله، ومن الأخيار من أولياء الله، لكي يتسلقوا ظهر هذه المسيرة وأكتاف هذه الأمة، ثم ليمارسوا الظلم، ثم ليبتزوا هذا ماله، أو ليأخذوا على هذا أرضه، مثل هؤلاء الناس لن نرضى لهم بذلك أبداً مهما كان، مهما حصل، مهما وقع، مهما كانت صلتهم بنا، أو قرابتهم منا، أو علاقتهم بنا، هذا إنذار تمليه علينا المسؤولية، ويفرضه علينا الواجب، نحن سنسعى بكل جهد إلى أن نحارب كل هذا المستوى من الخيانة، من الظلم، من الإجرام، من أي متسلطٍ أو مجرم، مستعينين بالله -سبحانه وتعالى- وساعين إلى الحفاظ على نقاء هذه المسيرة، نقاء هذه المسيرة العظيمة التي قدَّمت الآلاف والآلاف من الشهداء، من الوفاء لهم، ومن الوفاء لله، ومن الوفاء للمبادئ والقيم العظيمة في هذه المسيرة، أن نحرص على هذا الموقف، أن نسعى إلى تنقية هذه المسيرة، ألَّا نسمح لهذا النوع من المتسلِّطين المجرمين، الذين يخونون المبادئ والقيم، ويخرجون عنها بممارسة الظلم والجرائم والنهب والابتزاز، وإن شاء الله يعيننا الله على ذلك، ويوفِّقنا في ذلك.
فهذا شرف حجر، وظالمه مَن قد علمتَ سيدي، ولا أجد بعد مقالك سبيلاً لكي أضيف، ولكن إنصاف شرف حجر هو من باب الوفاء للمسيرة بكل ما فيها من نهج وخط وأمة.

أترك تعليقاً

التعليقات