ثقافة التكفير بين الأمس واليوم
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ثمة حركات إسلامية حولت المشروع الإسلامي من دعوة إلى التربية والتخليق والإصلاح إلى دعوة للانتقام والتكفير.
فما هو السبب وراء خلق هذه الحركات العنفية؟
نحن أمام بنية فكرية مشتركة يلعب فيها الشرط الموضوعي دوراً أساسيّاً في ظهور أو غياب ظاهرة العنف لدى الحركات الإسلامية. وهذه البنية، التي أصبحت للأسف كالسرطان داخل الجسم العقائدي لهذه الحركات، لم تستطع القطع مع الخطاب الخوارجي الذي عاد إلى الواجهة في خطاب بعض الحركات الإسلامية الذي يصرف بأشكال مختلفة، تارة دفعة واحدة وبالجملة، وتارة بصورة مخاتلة وبالتقسيط.
لا نتحدّث هنا عن الخوارج كفرقة كلامية أو طائفة دينية، وإنما نتحدّث عن بنية خطاب يمكن أن تجده في صلب مختلف أدبيات بعض الحركات الإسلامية، التي لم تقم حتى الآن بنقد ذاتي جذري لخطابها الحركي. هذا الفكر في أول تمظهراته التاريخية والراهنة يقوم على أساس الاستهانة بمشروعية السلطة؛ إذ لا يخفى أن الفكر الخوارجي هو الفكر الوحيد الذي لا يرى ضرورة لقيام الدولة، وذلك بناء على الشعار التاريخي المغلوط فهمه «إن الحكم إلَّا لله»، وهو للأسف الموقف الذي ترجم بشكل صريح في فكر المودودي، وبلغ مداه مع الفكر القطبي، ما جعل فكرة الخوارج اللاّدولتية تستعيد الحنين إلى شكل آخر من الدّولة. وهنا أصبحنا مع دولة اللاّدولة، في مفارقة يصعب هضمها في علم السياسة. هذا رغم أن الجواب التاريخي -كما صدر عن الإمام علي تقويضاً لهذه المغالطة الخوارجية- «كلمة حق يراد بها باطل، وقد علموا أنه لا بد من أمير بر أو فاجر». وكانت هذه بمثابة المسوغ الشرعي المغلوط الذي برر به الخوارج كل الأعمال التخريبية عبر التاريخ.
والجذر الحقيقي لهذا النمط من العنف، الذي هو بالنتيجة تجلٍّ آخر للعنف الثاوي في صلب التكوين العربي، يطلب في الشروط الاجتماعية والنفسية، وليس في الدين أو الأيديولوجيا، التي ليس لها إلا أن تلعب دور رصاصة الرحمة التي تريح القاتل والمقتول.
لقد قال الإمام علي قبل أكثر من ألف عام: «إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض ولا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم، ثم يظهر قوم ضعفاء لا يُؤبه لهم، قلوبهم كزُبَر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتى يختلفوا فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق من يشاء».
والغريب أن تنبؤ الإمام علي بهم كان يقوم على علم ديني/ سياسي معاً؛ ذلك أن السلوك الإقصائي للجماعات السياسية الإسلامية مثّل التراث الحقيقي لأي جماعة تتبنى هدف الوصول للسلطة، إما من خلال طرق ديمقراطية ثم الانقلاب عليها، وإما بالسيطرة على بقعة أرض تعتبرها دار الإسلام، وباقي المناطق ديار كفر. ولأنهم ممتدون بسلوكهم إلى ماضٍ يعتقدون أنه ماضٍ ذهبي للسلف، فقد لبسوا الملابس نفسها، أي معبّرين على أنفسهم مظهريّاً بسلوكهم وفكرهم الذي يعتقدون صوابه، وبالتالي جاءت كلمات الإمام خير تعبير عن ثقافة التكفير، وثقافة تشابه الملامح الفكرية بين الماضي والحاضر.

أترك تعليقاً

التعليقات