كيف نحفظ للكلمة قدسيتها؟
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ما أقدس تلك الكلمة، سواءً كانت منطوقةً، أو مكتوبةً، حينما تصدر عن شخصٍ ما، بغيةَ تقويم اعوجاج، أو إصلاح خلل، أو سد فراغ، وردم هوة، وإشباع حس أو عاطفة، وإيجاد سبل ميسرة للوصول إلى مقام امتلاك الوعي الشامل، والإرادة القوية، والفكر الخلاق اليقظ المستنير المتجدد، الذي يواكب الحركة الإنسانية، ويتفاعل مع الواقع، من خلال قدرته على منح كل حر إمكانية الفعل فيه، بحيث لا يبقى مجرد هامش في حياة الآخرين، وأداة جامدة تحركها أياديهم، وكيان عاجز عن القيام بفعل شيء، إلا بمقدار ما يحددون له من مساحات وآفاق وإمكانات، وبالحد الذي يحصره في حيز المتلقي للضربات والصدمات والدعايات، التي تتمخض عن حركة الأحداث والمستجدات، التي كان غافلاً عنها، نتيجةَ سكونه إلى الراحة، مكتفياً بما كان، متجاهلاً ضرورة التوجه إلى العمل من أجل تحقيق كل ما يجب أن يكون!
وكم من الأوقات قضيناها في الرد على إثارات الأعداء وعشناها في الحيز الذي جرونا إليه، وأصبح شغلنا الشاغل، متناسين كل ما ينتظرنا من مهام وأدوار، تفرضها المسؤولية على كل صعيد، إذ بات المهم هو: كيف نفند شبهاتهم، وندحض زيفهم، ونبطل ادعاءاتهم، وما عدا ذلك لا قيمة له، ولا شأن لنا فيه.
نعم يجب تفنيد كل ما يطرحه أعداؤنا، بغرض تشويهنا، أو التعمية لعيون الجماهير عن الحقيقة أياً كانت، ولكن من خلال توجه مدروس، وطرق منظمة، وأساليب فعالة، لا مكان فيها للعشوائية والارتجال والعبث والسذاجة، وليس فيها أدنا ثغرة يمكن للعدو أن ينفذ منها إلى غايته، كما لا مجال فيها لتصدر الأغبياء، الذين يندفعون بحماس اللحظة، دونما امتلاك لأساس من فكر، أو قيمة من حس، أو مبدأ من عقيدة، فيوصلون العدو بذلك الاندفاع الانفعالي الفج إلى أهدافه من أقرب طريق، وبأقل التكاليف.
إن مهمة الكاتب أو المتكلم اليوم، مثقفاً كان، أو أديباً، إو إعلاميا، هي: اتخاذ كل ما يثير سخط العدو، ويزيد من مخاوفه، ويتسبب في دخوله حالة من التخبط والإرباك والشعور بالمزيد من الخسران، وفقدان التوازن، ومحو الوجود، دافعاً للتفتيش عن كل مواطن العجز والنقص والقصور والسلبية، أينما كانت، والعمل على كشفها، والإسهام في التخلص منها، ومعالجة كل ما خلفته من آثار وتبعات في الواقع والنفوس والأفكار والمؤسسات والاتجاهات، إذ المنطلق دينيٌ، قائمٌ على أساس ثورةٍ حسينية، هدفها الإصلاح الشامل للإنسان والحياة، ومادتها ونهجها ودستورها القرآن، وخط سيرها الرسالة المحمدية بكل معانيها وآفاقها ونماذجها وقيمها ومبادئها وأخلاقياتها وأهدافها.
وعليه فلا مكان للتحرك المحدود، والعمل الموسمي، والاكتفاء بالعناية والاهتمام بجانب معين، على حساب ضياع وتراجع الكثير من الجوانب، أو التركيز على قضية ما، على حساب قضايا أخرى، نالها التجاهل والإهمال، حتى صار بعضها عصيا عن الحلحلة والتقويم والتصحيح وإعادة البناء.
وحذار من مرض التسطيح يا سادة! فهو المرض الذي ابتلينا به، عندما تركنا الباب مفتوحاً أمام دخول أولئك الذين يجيدون التلون بحسب البيئة والمناخ، ويقدرون على تمثيل دور الواعين والمخلصين لأصالة النهج، ويتقنون أساليب المكر والخداع، ويمارسون سياسة الالتواء، ويعمدون إلى تهميش كل الأفكار التي تضمنها النهج، كأسس ثابتة، لا يجوز إغفالها، لأجل حماية مصالحهم ومواقعهم وامتيازاتهم ومقربيهم.
وهكذا بقيت الأفكار والمنهجيات الرسالية عرضةً للمسخ والتحريف والإلغاء والبتر والزيادة والنقصان، تبعاً لما تقتضيه مصلحة عبيد الهوى، والطمع والجاه والشهرة حتى اليوم، لأن النهج الرسالي ليس كالفلسفات والنظريات العلمية والرياضية، التي لها رجالها المختصون بفك رموزها، وبيان مادتها، وإنما هي خطاب يتجه إلى الجماهير، ويهتم بالناس كل الناس، لذلك كان من السهل على حملة فيروس مرض التسطيح تنصيب أنفسهم مبلغين لذلك الخطاب، ودعاة إليه، وممثلين حصريين له، وهم طبعاً سيقومون بتقديمه للناس بالشكل الذي يخدم قضاياهم الشخصية، ويبرر كل ما هم فيه من جهل وظلم وكبر وغرور وعنجهية وأنانية ونفوذ وأثرة وعجز وفشل وانحراف وضلال، ومخالفة للمنهجية التي يدعون حملها، والوفاء لقادتها ورموزها، ولا بأس من الحفاظ على الطقوس والأوراد، شريطة أن تظل ميتة جامدة، لا تقدر على إحداث أدنى تحول أو تغيير فكري أو سلوكي.

أترك تعليقاً

التعليقات