قطرة من بحر العطاء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وأنت تتنقل بين سِيَر الشهداء الأبرار، وتتعرف على شخصياتهم، وتقف على أبرز المواقف التي وقفوها في بعض مراحل حياتهم، وتعيش مع كلماتهم اللحظة التي تفتح أمامك الأبواب لكي تصل إلى حالة إدراك لطبيعة وبنية الفكر الذي حملوه، بكل مكوناته، وتلمس ما تركه ذلك الفكر من أثر إيجابي انعكس على نفوسهم، وتجلى في أكثر من صعيد على الواقع من حولهم، الذي استطاعوا أن يغيروه بالقدر الذي يزيل السلبيات، ويتجه نحو الإيجابيات، ويكسر حالة الصمت، ويقتلع جبال الجمود الجليدية بفأس العزم، ومعول الصبر، ومطرقة التحرك العملي، والذين تمكنوا من تقديم صورة مختلفة عن تلك الصورة التي سبق لنا أن جعلناها مادةً للتعرف على سمة النفس البشرية، وعلامةً نكتسب بموجبها القدرة على الاستدلال على وجود الفطرة الإنسانية، التي تقوم على أساسٍ من الشعور بالكرامة، والانجذاب لقيم الحق والعدل والخير والمحبة، والاندفاع لالتزامها، مع استعدادٍ لبذل النفوس بغية تعميمها على الإنسانية كلها؛ فإنك ستجد بمتناول يدك دروساً لا تُعَد ولا تحصى، دروساً من الواجب تفهمها، والعمل بمقتضى ذلك الفهم لها، والحذر من التغافل عن الاستفادة منها. وأبرز تلك الدروس هي:
* أن الشهداء خصوصاً والمجاهدين عموماً يتحركون في ساحات الجهاد المختلفة بأرواح لا تسعها أجسادهم، لأنها واسعة بسعة العالم، وممتدة بامتداد الكون؛ لذلك وجدناهم يقومون بأعمال ويسطرون مواقف يستحيل على الروحية المحدودة بحدود الجسد الإتيان بشيء منها، ولو بمستوى جماعي وفق تحرك شامل وعام لكل مَن يحملون هذه الأرواح المحصورة في نطاق الجسد سواءً بسواء.
* أنهم وهم ينطلقون في سبيل الله، كانوا لا يحدون نظرتهم بحدود المرحلة الزمنية التي انطلقوا فيها، ولا بحدود البقعة المكانية المطلوب منهم تحريرها وصونها، ودفع الخطر والشر والكفر والفساد عنها، ولم يصبوا جل اهتمامهم على حماية العرق الذي ينحدرون منه، أو اللون الذي يتميزون به، أو القومية التي ينتمون إليها، وإنما كانوا يطلقون لأبصارهم العنان حتى تصل إلى آخر نقطة يتواجد فيها العدو المستكبر الكافر الظلوم، وذاك ما أهلهم لتحقيق الإنجازات وإحراز الانتصارات في أوطانهم، وقدمهم لكل الأحرار في شتى بقاع المعمورة كعناوين للتأسي والالتزام، وأمثلة للشرف، ورموز للعزة والكرامة والحرية، ومقاماتٍ لإيجاد ثقافة للحياة، كل الحياة، ثقافةٌ كانت فلسطين ولا تزال بوصلة أصحابها في سيرهم، والأرض التي تغمرها إشعاعاتهم، والأصل الذي يسري في جيناتهم، ويصنع ذواتهم؛ لذلك وجدناهم في ساحات التدريب يقولون: لبيك يا قدس! وفي ميادين الوغى يهتفون: قادمون يا أقصى!

أترك تعليقاً

التعليقات