ثقافة الجهاد والمقاومة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
استطاعت ثقافة الجهاد والمقاومة أن تضع المقدمة لحقيقة العبودية لله، ومالكيته للكون، الموضحة للمبدأ والمعاد، المرتبة لأبوابها وفصولها وفق ما تقتضيه الفطرة ويسير عليه الوجود.
لقد قدمت المنهجيات السابقة عدم جدوائية الدين نتيجة لحصره في جوانب عبادية معينة لا يجوز تعديها إلى غيرها ولا يجب البحث عن سواها. إنها منهجيات جعلت من المسجد سجناً لمرتاديه، ومن الشعائر التعبدية عادات اجتماعية لا يمكن النظر إليها إلا بمستوى كشفها عن الجوهر الذي تقوم عليه، وذلك أنها أصبحت مجرد طقوس وحركات رياضية لا أكثر. وهكذا استمر الهدم لصلات المخلوق بخالقه، وتم التشويش على الإنسان وما يتصل بطبيعته وجوهره والغاية التي وجد من أجلها، والنهج الذي يجب عليه أن يحمله، فقد قدموا له خالقه بصورة أبشع من الصورة التي رسمت لإبليس في كتاب الله.
فالمعصية التي يرتكبها الإنسان قدر من الله لا محيص من تحققه، والظلم الذي يحل على الإنسان المبني على مشاهد الهوان والذل والقهر الذي يلاقيه أمر جبري جرت عليه إرادة الله، فلا يحق له الصراخ في وجه ظالم ولا يجوز له الوقوف إلى جانب المظلوم، ولا الاعتراض على ما ينبثق من وجود لطبقات اجتماعية متخمة تعيش الحياة المنعمة المليئة بالمباهج والمتصرفة بكل خيرات الأرض، وما عليه إلا أن يقرأ أذكاراً معينة، ويظل قابعاً على تبة الانتظار حتى يأتيه يوم الفصل، فالدنيا لغيره، وإنما هو فيها عابر سبيل يدع ما لله لله وما لقيصر لقيصر. إذ كيف به أن يحتج على طاغية مستبد أو يثور عليه وقد ثبتوا في ذهنه أن ذلك الظالم هو ظل الله في الأرض من أهانه فقد أهان الله وأهان القرآن.
وقد جرت إليه الموجهات والمحددات بالسمع والطاعة له وإن جلد ظهره وأخذ ماله، فلا شأن له في فقره، فالذي قدر عليه أن يكون فقيراً هو الله، والذي قدر ضعفه هو الله، فإذن ما حاجته للثورات والانتفاضات وهو يقف على أطلال آخر ثائرٍ مات بربذته وحيداً وعاش وحيدا وسيبعث وحيدا، فصوت أبي ذر وإن طرب له سمعه ولامس شغاف قلبه ما هو إلا ضرب من الجنون، وشق لعصا الطاعة، ومفارقة للجماعة.
وإن شق إليه الحسين بصرخته ودمه وتضحيته حجب ظلمات الليل الحالك المفروض عليه من قبل سلسلة الملك العضوض الحاكمة بغير ما أنزل الله، ليضعه على أول بدايات الفجر، جاءته التحذيرات لتقول له: «ما لك والحسين، فقد قتل بسيف جده لأنه في عداد العصاة، فجريمته كبيرة، ووزره عظيم، إذ كيف به أن يفكر مجرد تفكير بالخروج على يزيد إمام المسلمين، الشارب للخمور والمجالس للقرود، والمنتهك لحرمات ذوات الخدور، فهو بذلك نال جزاءه، وكان قطع رأسه قليلاً عليه».
وإذا قال أحد المسلمين في عصرنا إن عدو اليوم هو الأمريكي المستكبر، الصليبي الحاقد، والصهيوني حفيد القردة والخنازير، قالوا له: لا لا لقد شططت عن الحق، وحدت عن جادة الصواب، فهنالك عدو أخطر منهم، إنهم الرافضة المتشيعون لعلي، والمستمسكون بأهل بيت النبي، المقدمون لمحبة رسول الله إسلاما محمدياً أصيلا، والجاعلون من القدس وفلسطين نقطة التقاء، وبوصلة جهاد يتم من خلالها توحد صفوفهم واجتماع كلمتهم. هؤلاء من يجب أن نقاتل، ولا ضير أن نستعين في سبيل ذلك بالشيطان ذاته.
من هنا جاءت الثقافة القرآنية، ثقافة الجهاد والمقاومة، لتصل ما انقطع من دين الله الحق، ولتربط الإنسان بسبب وجوده على هذه الأرض، شارحة له المكانة التي يجب أن يشغلها إلى جانب كل أبناء مجتمعه وأمته، محددة له البنية التي تقوم عليها علاقته بكل ما حوله بموجب ما تم له من وعي ومعرفة بعلاقته بربه لينطلق بالدين كله فطرة الله التي فطر الناس عليها، وليقف مواجهاً لكل الاختلالات والانحلالات. مقدمة له أن كل عمل فيه لله رضا هو ركن من أركان دين الله، يجب عليه القيام به. فالعبادة شيء تنبني عليه نواة الاستيعاب للقيام بقضايا الأمة الكبرى، والجهاد ترجمة فعلية لحصيلة كل القربات والعبادات التي يقصد بها الإنسان وجه ربه، وهكذا تُبنى المسيرة وتقدم إلينا ذلك في طلائعها المجسدة لحصيلة كل موسى قويِّ على مغالبة كل فرعون.

أترك تعليقاً

التعليقات