نفحة من الفجر العلوي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
مضت سنون طويلة على المجتمع في صدر الإسلام، منذ التحاق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بالرفيق الأعلى، ذاق خلالها ذلك المجتمع الويلات، نتيجة تسلط الطلقاء والتجار والمتعصبين للعرق العربي والقبيلة القرشية، الذين أدى وجودهم على رأس الهرم الإسلامي إلى تفكك المجتمع، وتنامي الطبقية، وانتشار الفساد، وما إنْ توفي عثمان، حتى اتجهت الأنظار الإسلامية صوب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بعد خمسةٍ وعشرين عاماً من غفلتها عنه، وتنكرها لحقه وفضله، وانحرافها عن الجادة، وعصيانها لله ورسوله، عاد المجتمع ليلتمس لنفسه مخرجاً مما هو فيه، وذلك لن يتحقق إلا على يد ولي المؤمنين، وسيد الوصيين، ووريث الرسالة، وأخي سيد المرسلين، الإمام علي (عليه السلام)، وبعد إلحاح المجتمع المسلم على الإمام بالقبول بتولي الخلافة، وافق الإمام (عليه السلام)، وهكذا تسلم الإمام زمام الأمور في مجتمعٍ غارقٍ بالضياع والفساد والظلم والجهل والغفلة، الأمر الذي يستوجب إحداث نهضة شاملة لكل المجالات، وعليه عزم الإمام على التالي:
* عزل ولاة عثمان الذين عُرفوا بفسادهم في الأرض، ولم يكترث بما حاول البعض من أصحابه أن يقنعه به، من ضرورة استرضاء أولئك المفسدين، وإبقائهم على مناصبهم، بحجة المصلحة، وألا يعزلهم إلا بعد أن يستتب له الأمر، وتستقر الأوضاع، لكن حاشاه (عليه السلام)، أن يماري في الحق، ويداهن أهل الباطل، ولو بقي وحده، ثم حرص على اختيار ولاته من بين الفئات التي تم إقصاؤها وتهميشها في العهود السالفة على الرغم من صلاحها وفضلها وعظيم بلائها في نصرة دين الله.
* إزالة الفوارق الطبقية في المجتمع، وذلك بالعمل على استعادة الصبغة الإسلامية الصحيحة للمجتمع، التي من خلالها سيُقضى على الفوارق التي اصطنعها الحكام، كون المسلمين لدى الإمام سواء في الحقوق والواجبات، ولا فرق بين قرشي وغيره، ولا يمكن للإمام التساهل مع أي محاولة لإبقاء أي أثر لكل ما أقرته الجاهلية، وجاء الإسلام لتقويضه، ومحو وجوده وآثاره، ولذا نسمعه (عليه السلام) وهو يلخص سياسته العامة بقوله: «الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والعزيز عندي ذليل حتى آخذ الحق منه».
* محاسبة الفئة المتسلطة على رقاب المسلمين مدة من الزمن، وهي الفئة التي عاشت الترف، إذ اتخذت من موقعها في السلطة وسيلة لاستئثارها بالأموال، وانتهابها لأراضي ومقدرات عامة المسلمين، لذلك نجد إمام المتقين يقرر استعادة جميع الإقطاعات التي اقتطعها عثمان، وكل الأموال التي وهبها للطبقة الموالية إلى بيت مال المسلمين، يقول في ذلك: «ألا إن كل قطيعة اقتطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفُرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومَن ضاق عنه الحق، فالجور عليه أضيق».

أترك تعليقاً

التعليقات