مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إمكانيةُ تحققِ نهضةٍ جزئيةٍ في مجالٍ ما، أو نهضةٍ كليةٍ شاملةٍ لكل جوانب ومجالات الحياة ومتطلبات الأحياء، من دون ممارسة النقد ذاتياً واجتماعياً وسياسياً وفكرياً وتاريخياً وغير ذلك، مستحيلةٌ. ومن يقول بخلاف ذلك فهو واهم؛ لأنه كيف لنا أن نبني أنفسنا من دون أن نكتشف عللها وأمراضها لكي نقوم بتخليصها من آثار كل تلك العلل والأمراض، وبالتالي تتهيأ تلك النفوس لتقبل مقومات بنائها وإصلاحها، ليتم لها بعد ذلك الحصول على موجبات القدرة على بناء وإصلاح الواقع من حولها؟! وكيف لنا أن نحصن واقعنا من كل الآفات والانحرافات والمفاسد والظُلامات التي أهلكت مَن قبلنا، وكانت السبب الرئيس في تراجعنا وضعفنا وفقرنا وتخلفنا وهزيمتنا أمام عدونا كشعب وكأمة على مدى قرون من الزمن، من دون أن نتعرض لكل واقعنا بالدراسة والبحث، ومن دون أن نكتشف الثقافات والممارسات والنظم التي أثرت في الأمة إلى حد كبير وأسقطتها من الداخل قبل أن يقوم الآخرون بأي فعل من أجل ذلك الغرض؟!
إننا وبقليلٍ من الوعي بحيثيات ومكونات ومباني هذا المشروع القرآني المبارك الذي نعيش في رحابه، ونقتطف ثماره، ونتفيأ ظلال بركاته، ونشهد مظاهر عظمته، ندرك أن تناول الواقع بالنقد الواعي القائم على أساس الإحاطة بكل المظاهر السلبية، والمعتمد على طريقة كشف كل الاتجاهات الهدامة، والممارسات التضليلية، أياً كان مصدرها، أصلٌ من أصول هذا النهج والمشروع المبارك، ومبدأ ثابت وأساسي لدى الشهيد القائد المؤسس (رضوان الله عليه)، الذي قامت حركته التجديدية على عنصرين، هما:
الأول: الكشف عن كل المظاهر السلبية والمفاسد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وبيان الانحرافات الفكرية والثقافية والدينية، من دون مواربة أو مهادنة أو مجاملة ومداهنة، فلا قدسية لنظام أو علم أو فقيه أو مذهب ما دام يحتوي بين طياته معالم التراجع والخيبة والنكوص والفشل والضياع. كل ذلك كان ينطلق مع توفر الحلول والمعالجات والتصحيح لكل تلك المفاسد والضلالات.
الثاني: التوجه لمحاربة العدو الخارجي والظلم الاستكباري الذي يتهدد الأمة ويمثل خطراً على هويتها ودينها ومقدساتها، وهذا كله كان يتحرك فيه رضوان الله عليه، باتزان تام، وثبات مطلق، ويقين راسخ، فلا يغفل عن تصحيح المسار في الداخل، لأنه يريد النهوض بشعبه وأمته، ولا يتجاهل أي مظهر للفساد والسلبية، لأنه يريد البناء التام والقوي والقادر على البقاء والاستمرارية، كما لا يشغله كل ذلك عن العدو الساعي بكل ما لديه لاستهداف الهوية وضرب الانتماء.
وهكذا يجب أن نعطي هذين المسارين كما أعطاهما الشهيد القائد، فلا يطغى اهتمامنا بأحدهما على حساب الآخر.

أترك تعليقاً

التعليقات