في رحاب الرحمن.. النفحة الثالثة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كتاب "الرحمن ذلك اللغز، قراءة تحليلية للاسم في ضوء المصادر" هو مَن أتشارك معك أيها القارئ الكريم التنقل بين دفتيه، مستظلين بظل الرحمن، وكفى به ناصراً ومعيناً!
ونحن نسير مع محتويات الكتاب، بتنا اليوم قاب قوسين أو أدنى من ميدان معركة ضروس بين صاحب الكتاب الذي يقف في الميدان وحيداً، مقابل جيوش جرارة لعلماء اللغة والتفسير ومؤيديهم. لكنه متسلح بالحجة، يستمد من الرحمن النصرة والقوة والصبر والثبات، فلا غاية له سوى إبراز الحقيقة، ودحض الزيف، وذلك لن يتم إلا بالهدم لكل البنى الشوهاء، بقصد البناء السليم والمتماسك فكراً وعقيدة، ولا يمكن تصحيح فكر أو عقيدة إلا بتصحيح لغة أصحابهما، وهنا يبدأ الهدم البناء.
عوداً على ما سبق
قلنا بالأمس: إن صاحب الكتاب قد فتح على نفسه أبواباً من الشر لا سبيل لحصرها أو إغلاقها. ولكن هيهات منه التراجع، فهو ينصر الرحمن، وهو سبحانه سينصره. وعليه نجد المؤلف بادئ ذي بدء وعلى بوابة مدخل كتابه يؤسس لشيء خارج المألوف، ويبني لبناته الأولى خلاف العادة. ولئنْ وجدنا الباحثين يقومون وقبل كل شيء بتعريف موضوع بحثهم ودراساتهم، فإن صاحب الكتاب يقول:
إذا كان من مقتضيات أي بحث أو دراسة تتناول موضوعًا معينًا، هو أن يتم الوقوف أولًا على جذريته اللغوية، فإن مفردة الرحمن إشكاليتها الأساسية، من وجهة نظري، هي في اللغة؛ أي في ذلك التجذير الذي يراد له أن يجعل منها اسمًا مشتقا من جذرٍ لغوي ما وعلى وزن معين؛ بحيث إن ذلك الجذر وذلك الوزن يكونان هما اللذين يمنحانها معناها كما يمنحان غيرها من الاشتقاقات.
ولذلك ماذا تنتظرون أن أصنع أنا (بحسب ما قاله صاحب الكتاب في معنى كلامه) مع مفردة كان الأساس الذي انطلق بحثي لها هو الرفض للمعنى الذي جُعل لها باطلاً؟! ولو أنني قمت بتعريف الرحمن كما هي العادة، لأصبت دراستي هذه في مقتل!
إذن ماذا تريد عزيزنا المؤلف؟ ولماذا أنت هنا؟
يجيبنا الكتاب بلسان صاحبه: أريد إخراج الرحمن من معناها الملتبس، وذاك لن يتم إلا بالثورة الشاملة على ذاك المعنى، وهدمه، واستعادة المعنى الحقيقي والصحيح.
إذن أنت تتهم اللغة؟
يجيب: نعم، أنا هنا لأتهمها، بل وأصرخ في وجهها: لن يدوم تلبيسك علينا أيتها اللغة، والآن حصحص الحق، فقفي بجانبي ليظهر كلٌ منا حجته ودليله.
يضيف: تعريفك لاسم الرحمن لا أعترف به، وقد جئت لنقضه، وليس للبناء عليه.
أدري أنك ستستنجدين بجمهورك حيهم وميتهم، وسأسمع ضجة يكاد ينفطر لهولها سمعي، ويرتجف فؤادي، ولكن ثقي بأن كل ذلك الرهاب لن يجبرني على التراجع عقال إصبع، كون كل ذلك عبارة عن ضجيج لحالات صنمية، وتبعية عمياء اعتادت ألا تنتج أفكاراً، بل خوفاً، ونظرت لسيبويه وابن جرير وبقية اللغويين والمفسرين نظرة العبد لربه.
وذاك ما أنا ناقمٌ عليه، وساعٍ لتقويضه، فأنا أحترم جهدهم، ولكني أرفض تحويلهم إلى أصنام. فحتى متى يظل العقل العربي بيد هؤلاء يفزعه صوتهم، ويستسلم لآرائهم؟! أليس من العار على العربي أن يتساوى عقله وبطنه، فلا يقبل إلا بالأفكار المعلبة الجاهزة، تماماً كتلك التي يأكلها؟!
ولذلك لا غرابة أن تتماثل مخرجات العقول مع مخرجات البطون، فكلا المخرجين أذى.

أترك تعليقاً

التعليقات