الشهادة في فكر حزب الله
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
حاولنا بالأمس الإضاءة على الماهية التي بموجبها يتم بناء أو صياغة الشخصية لحزب الله، أفراداً وجماعةً، وعرفنا أنهم حسينيون ماهيةً وحركةً ومنهاجاً ومواقف.
ولذلك فالشهادة في فكر حزب الله ليست موقفاً من الحياة فحسب، وإنما هي موقف للحياة أيضاً. وهو يعيشها كعقيدة تمثلها الإسلام المحمدي الأصيل، الذي ارتبطت عبر تاريخه بفكرة العدالة والحق، وكانت بالتالي شهادة على الظلم من أجل العدالة، وشهادة على الباطل من أجل الحق.
ومادامت الماهية لدى الحزب حسينية، فإن الشهادة رسالة، وهي كأية رسالة لها شروط أساسية تقومها أبرزها:
أ. وجود الذات الواعية.
ب. وجود الجهة المخاطبة، أو الغاية من ورائها، وهي واجبة التحقق.
وهكذا يتحرك صاحب الرسالة من أجل تحقيقها، كون جوهر الرسالة ميلا غائيا قاهرا موحى به نحو فعل أو قول شيء ما، والرسالة لا تقال عن حق إلا لبعض الأفراد الذين يحددون لأنفسهم بأنفسهم أهدافاً عالية تخرج عن المألوف، ويكرّسون لتحقيقها كل حياتهم أو جلها، ويكونون على استعداد واع للتضحية بكل شيء، حتى بالحياة نفسها في سبيل تلك الأهداف.
وهنا تلتقي الشهادة بالرسالة، ذلك أن الشهيد صاحب رسالة بكل معنى الكلمة، حيث يصل بالتضحية إلى حدها الأقصى، ومن الواضح أن الشهادة كأعلى ما يكون عليه الموقف الرسالي هي موقف غيري يتجلى فيه الخروج عن الذات بأسمى معانيه، إلى حد تحطيم الذات في سبيل إنجاز الهدف الذي غالباً ما يكون هدفاً نوعياً.
وبكلام آخر، فإن تحطيم صيغة الذات الفردية، إنما يشكل نوعاً من الخروج عن الذات في سبيل الحياة النوعية للبشرية، أي في سبيل النحن الكلي والعام. ولذا كانت الشهادة بما هي رسالة ليست قضاء على الحياة، وإنما توسعة لها وتخصيب.
إنها نوع من تكبير للأنا لتلامس النحن، ونوع من رؤية الأنا في مرآة النحن، لا الأنا.
أو قل: هي عبور الاختلاف بين الأنا والنحن والقضاء عليه بفعل التضحية نفسها. فالتضحية بالذات هي لحظة الانعطاف الكلي في الاختلاف بين (الأنا) و(النحن)، بما يعيد إنتاجهما سوياً في مركب توحيدي أعلى من حيث هي أي التضحية: تجاوز ومفارقة نحو الأعلى الإلهي. وبهذا الاعتبار أو بهذا التحول، تكبر الأنا لتصبح في حدود النحن ويشتد وجود النحن، باندكاك أنا كل الشهداء فيه تماماً، وعلى حد تعبير طاغور «يذوب البخور، يذوب ليتحلل في العطر، والعطر يذوب لكي يلتحم بالبخور، والنغم يسعى لمعانقة الإيقاع، بينما يعود الإيقاع متدفقاً في النغم».

أترك تعليقاً

التعليقات